طارق طوروس
حفرت العمَّة عائشة، التي فقدت ابنها في حادثة منجم بلدة أرمينيك التابعة لمحافظة كارامان جنوب غرب تركيا كلامها بأحرف من ذهب في عقولنا عندما قالت: “ابني لا يستطيع السباحة، فماذا فعل داخل الماء يا ترى؟”.
أما زوجها العم رجب فقد مزّق قلوبنا عندما ظهر أمام عدسات الكاميرات بحذائه المطاطي الأسود المهترئ. فبادرت الحكومة – على الفور – بإرسال زوج “جديد” من الأحذية التي اعتاد الرجل العجوز على ارتدائها… وصرّح محافظ كارامان بقوله: “لقد دفعت ثمن الحذاء من مالي الخاص”.. يا له من عمل حميد…
إن هذه الدولة هي التي توصلت إلى أن أحد جنود الجيش التركي “قد انتحر”، على الرغم من أنه مات بطريقة مشبوهة. وكأن آلام أسرة ذلك الجندي لاتكفي. طلبت الدولة من أسرته ثمن الرصاصات التي انتحر بها بصفتها “دينًا لخزانة الدولة”.
وفي حادثة أخرى، تسببت جرّافة دخلت أحد السجون في قطع ذراع أحد المسجونين… فأمسك الرجل ذراعه المقطوعة بيده الأخرى، فأخذوا ينقلونه من هنا إلى هناك حتى فقدَ ذراعه المقطوعة، ثم بعدها عُثر عليها في كوم من القمامة تلتهمها كلاب الشوارع. أما الدولة فقد طالبت الرجل التعس بدفع ثمن الجدار الذي هدمته الجرّافة.
ونرى جنديًا آخر فقدَ ساقه عندما أصيب بينما كان في نوبة حراسة بمدينة عازي عنتاب، فركّبوا له طرفًا صناعيًا. وتحمّلت وكالة الضمان الاجتماعي تكاليف هذه العملية. وبعد مرور سنوات، أهانته الدولة وطلبت منه دفع ثمن هذا الطرف المصاب معلّلة: “أنت لستَ غازياً، لأنك لم تُصَب في الحرب!”…
ومؤخرًا سقط ضابط صف شهيدًا عندما كان يتسوّق برفقة زوجته في مدينة ديار بكر يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فتبرّع أحد الأتراك العاملين في الخارج بمنزله لأسرة الشهيد. لكن للأسف، فإن هذا التبرع دخل ضمن نطاق “ضريبة الإرث والانتقال”، لذا يجب على أرملة الشهيد الحامل أن تدفع “ضريبة” بقيمة 20 ألف ليرة (9 آلاف دولار).
الدولة التي فعلت كل ما سردناه أعلاه، ستأخذ هذه الأموال دون أن يرق لها قلب!
نقول مسبقاً إنه يجب على الدولة أن تتذكر في هذا المقام أبوّتها للمواطنين (رعايتها لهم) بعدما فقدت هذه الخاصية بالكامل…
صحيفة” بوجون” التركية