كركوك، العراق (أ ب)- دوت صلوات شيعية من مكبر صوت أحد المساجد بقاعدة عسكرية مترامية الأطراف في ضواحي مدينة كركوك الغنية بالنفط والواقعة شمالي العراق، في حين تهرع ميليشيات شيعية ترتدي أزياء عسكرية غير متطابقة في معظمها، إلى جبهات قتال قريبة سعيا إلى أن تتذوق طعم الانتصار على مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.
وعندما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية مناطق بشمال وغرب العراق العام الماضي، استجاب عشرات الآلاف من الشيعة لنداء حمل السلاح الذي أطلقه المرجعية الشيعية الأكبر في العراق آية علي السيستاني للدفاع عن الوطن في مواجهة المتطرفين السنة.
والآن، وصلت الميليشيات الشيعية إلى كركوك، وهي واحدة من المناطق العراقية الأكثر سخونة منذ وقت طويل، واتخذت من سلسلة من القواعد التي تبعد عشرة كيلومترات عن المدينة مقار لها.
ومنذ ذلك الحين، تلاقت مصالح الميليشيات الشيعية مع القوات الكردية التي كانت مسؤولة بشكل حصري عن المدينة منذ العام الماضي عندما تمكنت من وقف تقدم مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.
وبينما يواجهون عدوا مشتركا، لا يزال التحالف غير المتوقع وغير المريح غالبا بين الغرماء الأكراد والشيعة جاريا.
ويغذي هذا الخلاف المنافسة العرقية القابلة للاشتعال حول من سيسيطر في النهاية على المدينة.
لعب المقاتلون الشيعة، الذين يطلق عليهم رسميا اسم “قوات الحشد الشعبي”، دورا فعالا في مساعدة الجيش العراقي، الذي أخفق في مواجهة الهجوم الأولي لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية بشمال العراق، لوقف تقدم التنظيم خارج بغداد.
كما ساعدوا قوات البشمركة الكردية في عدد من المعارك، وساهموا في كسر الحصار الذي فرض على بلدة إمرلي ذات الأغلبية الشيعية في أغسطس / آب الماضي. ومؤخرا، تمكنوا من طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من عدد من البلدات في محافظة ديالي، شمال شرق العاصمة العراقية.
بيد أن وصولهم إلى كركوك، التي تقع على بعد 290 كيلومترا شمال بغداد، أثار حساسيات عميقة الجذور.
أعلنت القوات الكردية السيطرة على كركوك بعد أيام من اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية شمال العراق، وسيطرته على مدن كبرى، بما فيها الموصل وتكريت، والتي تقع على الخط المتغير الذي يفصل بين شمال العراق الكردي وباقي أرجاء البلاد، حيث يقيم العرب والأكراد والتركمان، وجميعهم يزعمون السيطرة على المنطقة.
ولطالما أراد الأكراد ضم المدينة إلى إقليم كردستان العراق، لكن العرب والتركمان يعارضون هذا.
يسيطر الأكراد على مناطقهم، ولكن تنظيم الدولة الإسلامية يحاول العودة إليها. وفيما يقول الأكراد إنها محاولة تتم بمساعدة من خلية سنية نائمة في المدينة، اجتاح متطرفو التنظيم أحد الفنادق المهجورة في كركوك الشهر الماضي، ثم شنوا هجوما مباغتا على موقع لقوات البشمركة الكردية، ما أسفر عن مقتل أحد كبار القادة وعدد من جنوده.
وكان الهجوم المنسق على ما يبدو بمثابة صفعة بالنسبة للأكراد، كما قوض قبضتهم الضعيفة على المدينة، فيما أطلقت حكومة إقليم كردستان العراق نداء إلى قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة للحصول على مزيد من الأسلحة والتدريب.
ومنذ ذلك الحين، تدفق آلاف من المقاتلين من بضعة ميليشيات، بما فيها فيلق بدر القوي، إلى كركوك ومحافظة التأميم التي تقع فيها المدينة.
ورحب حاكم كركوك نجم الدين كريم بالقوات الشيعية، لكن مسعود بارزاني، رئيس حكومة كردستان العراق، شدد على أن الميليشيات الشيعية “ستمنع تحت أي ظروف” من دخول المدينة.
وانفجر الملا محمد يوسف، وهو متحدث باسم فيلق بدر، في الضحك، بينما كان يجلس وراء مكتبه بقاعدة تازة خلال زيارة حديثة للأسوشيتد برس وقال “نحن في كركوك بالفعل”.
وأردف قائلا ” لابد أن نقاتل.. ديننا يشرع ذلك”.
وجاء قائد فيلق بدر، هادي العامري، إلى كركوك الأسبوع الماضي لتسليم شحنات من الأسلحة إلى المقاتلين الشيعة، وتعهد خلال اجتماع مع مسؤولين أكراد كبار بإرسال آلاف إضافية من المقاتلين لتعزيز الأمن في المنطقة، وهو ما أثار ذعر الأكراد.
ووصل ألفا مقاتل على الأقل إلى قاعدة تازة منذ زيارة العامري. وتشير تقديرات قادة ميليشيا عديدون في كركوك إلى أن نحو خمسة آلاف مقاتل من الشيعة قدموا إلى المنطقة هذا الشهر فقط.
وفي هذا السياق، قال أمير القاسم، وهو مقاتل شيعي (24 عاما) جاء من بغداد إلى كركوك في يناير / كانون ثان “أنا هنا… لأن السيستاني دعانا إلى حماية بلدنا”.
وشدد وزير سابق في حكومة كردستان، يدعى جعفر مصطفى، على أن التقارير التي تتحدث عن وجود الميليشيات الشيعية في كركوك “بعيدة عن الواقع”، مشيرا إلى أن المحافظة تخضع تماما لسيطرة قوات البشمركة الكردية.
ولكن على بعد كيلومترات قليلة من المكان الذي كان يتحدث منه مصطفى للأسوشيتد برس، ترفرف الأعلام الشيعية في ساحة القتال، بينما ترفع صور العامري ورجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر بطول النقاط الأمنية الشيعية جنوب المدينة.
وبعد اشتباكات وقعت مؤخرا، أطلقت مجموعة من المقاتلين الشيعة نيران الكلاشينكوف في الهواء احتفالا، ورددوا هتاف “فروا يا داعش بأوامر السيستاني”.
وعلى مسافة تقدر بأقل من خمسين مترا، وقف المقاتلون الأكراد حراسة بطول نفس الخط الأمامي، ولم ينخرطوا مع الميليشيات الشيعية ورفضوا إجراء مقابلات.
ويواجه السنة الذين يعيشون في كركوك تحديات، حيث ينظر إليهم بالريبة وباعتبارهم مذنبين لكونهم سنة كمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.
ولطالما اتهمت الميليشيات الشيعية بارتكاب فظائع ضد السنة بينما كانوا يحاولون صد التنظيم.
ويتهم تقرير أصدرته الأحد منظمة هيومان رايتس ووتش المقاتلين الشيعة بإجبار السكان السنة على الفرار من منازلهم، والانخراط في عمليات خطف، وإعدامات في بعض الحالات.
تخيم هذه المخاوف الطائفية على شوارع كركوك، حيث يبدى الكثيرون خارج السوق في قلب العاصمة مخاوفهم حيال السجل الوحشي للميليشيات الشيعية.
ويقول ياسين أحمد (24 عاما) “يتعاملون كرجال عصابات، ونحن نخشى ذلك.. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أنهم ينبغي أن يعتنوا بالناس ويوفروا لنا الأمن”.
بالنسبة للكثير من أكراد المدينة، لا يمكن أن تكون كركوك إلا منطقة كردية.
ويقول علي كريم (48 عاما) “كركوك منطقة كردية.. لابد أن تسيطر قوات البشمركة وحدها على مقاليد الأمور”.