عمان، الأردن (أ ب) – انقسم الإخوان المسلمون في الأردن رسميا بعد 70 عاما – وهو تفكك ينحى باللائمة فيه على الخلافات الفكرية القائمة منذ فترة طويلة، وكذلك على محاولة حكومية لزيادة إضعاف ما كانت يوما جماعة المعارضة الرئيسية في البلاد.
ويوجه الانقسام ضربة جديدة لجماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في أنحاء المنطقة، والتي حظرها الحلفاء المقربون للأردن، مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، واعتبروها جماعة إرهابية.
وفي الأردن، حذر البعض من أن سياسة التقسيم والسيطرة التي تتبعها الحكومة فيما يبدو قد ترتد بنتائج عكسية، إذ قد تدفع المزيد من أنصار الإخوان إلى صفوف المتطرفين مثل تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعتبر التهديد الرئيسي لاستقرار البلاد.
ويعرف الفرع الجديد للإخوان، والذي حصل على رخصة بالعمل، نفسه على أنه جماعة أردنية خالصة، قائلا إنه قطع علاقاته مع الجماعة الإقليمية لتجنب وصفه بالتشدد.
وقال زعيم الجماعة، عبد المجيد ذنيبات لأسوشيتد برس “ساورنا القلق أن نعتبر جماعة إرهابية إذا ظللنا فرعا من منظمة صنفت كجماعة إرهابية.”
وزعم الفصيل الأكبر للإخوان، الذي لا يزال على ولائه للجماعة الإقليمية، أن الحكومة دبرت الانقسام لإضعاف الجماعة.
وقال مراد العضايلة، المتحدث باسم الفصيل الرئيسي لإخوان الأردن، لأسوشيتد برس “هذه جماعة يرعاها النظام.”
ورفضت الحكومة الأردنية التعليق على هذه المزاعم.
واكتسب الانقسام صفة رسمية في وقت سابق هذا الشهر حين منحت الحكومة فصيل الذنيبات المنشق رخصة للعمل، وسارعت الحركة الرئيسية بطرد المنشقين.
ولا يزال وضع الفصيل الثاني غير واضح حاليا.
وقال مسؤول حكومي إن الجماعة التي يرأسها ذنيبات مسجلة لدى السلطات، بينما الفصيل الآخر “لم يصحح” وضعه، مشيرا إلى أنه بات في وضع ضعيف إلى حد بعيد. وتحدث المسؤول شريطة عدم الكشف عن هوية لأنه غير مخول بالحديث عن القضية مع الصحفيين.
ومن غير الواضح ما إذا كانت السلطات الأردنية ستحظر في نهاية المطاف الجماعة الأصلية المتجذرة في المجتمع الأردني عن طريق نظام الخدمات الاجتماعية التي تقدمها. وثمة بعض الدلائل على حملة على الجماعة في الشهور الأخيرة، ومنها اعتقالات لنحو 25 ناشطا والحكم على الرجل الثاني في الجماعة زكي بن ارشيد بالسجن 18 شهرا لانتقاده الإمارات.
ووضع هذه المشكلات الإخوان في الأردن في أصعب المواقف التي تتعرض لها منذ سنوات. فهي لا تملك تمثيلا في البرلمان بسبب مقاطعتها للانتخابات وفقدها بعض شبابها بعد انضمامهم للجماعات المتطرفة.
وقال ديفيد شينكر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى “الأخوان، وفقا لمعايير نسبية، لا يسببون الضرر بدرجة كبيرة وهم لا يشكلون تهديدا كبيرا للمملكة. الكثير يسأل ما فائدة ركل (جماعة) الإخوان عندما تسقط (تكون في وضع سيء لا تحسد عليه) .”
وسبق الانقسامات خلافات أيديولوجية مستمرة منذ فترة طويلة بين “الحمائم” و “الصقور”، والتي تفاقمت بسبب استيلاء حركة حماس المقاومة الاسلامية المسلحة، الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان، على غزة في 2007.
الحمائم يؤكدون هويتهم الأردنية، ويريدون أن تبقي حماس على مبعدة، ويبدون أكثر استعدادا للعب طبقا للقواعد المقيدة التي وضعها الملك، ويرغبون في التركيز على “الدعوة” أو الوعظ. أما الصقور فينتقدون سياسات الحكومة بشكل أكثر صراحة، وخاصة معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، ويتبنون حماس ورؤية أن الإخوان حركة عابرة للقومية.
ويبدو أن الهويات القبلية أيضا تلعب دورا، حيث ذنيبات وبعض من مؤيديه الرئيسيين هم أفراد من قبائل بدوية في الأردن، في حين أن بعض الصقور البارزين هم أحفاد لاجئين فلسطينيين.
وكانت جماعة الإخوان لسنوات أكبر جماعة معارضة في الأردن وأكثرها تماسكا، وتسعى للإصلاح السياسي، ولكن لم تصل إلى حد السعي للإطاحة بالملك. ومع وجود الصقور في موقع المسؤولية، زاد الخلاف بين الإخوان والحكومة في السنوات الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، ضعفت جماعة الإخوان الأردنية بسبب التطورات الإقليمية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك المنافسة الأيديولوجية المتزايدة من جانب المتطرفين الإسلاميين في أعقاب اندلاع انتفاضة الربيع العربي في عام 2011.
ويحذر البعض من أن حملة الحكومة يمكن أن تتسبب في تطرف أنصار الإخوان وفي المساعدة على تضخم صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. واتخذت الأردن دورا بارزا في التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة الذي ينفذ ضربات جوية ضد المسلحين، بعدما قتلوا طيارا أردنيا أسيرا حرقا في قفص. وقد أطر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني المعركة باعتبارها حربا أيديولوجية حتى النهاية.
وقال النائب البرلماني الموال للحكومة محمود الخرابشة “فشل الإخوان المسلمون في التعامل مع جيل الشباب وقيادته في الاتجاه الصحيح.”
وقال المحلل لبيب قمحاوي إن مشكلات الإخوان وفرت فرصة للحكومة لتشجيع الانقسام.
وأضاف “الأردن ببساطة تحاول تقليص قوة وحجم الإخوان لتكون قادرة على التحكم فيها بسهولة.”
ومن غير الواضح كيف سيتعمل الفصيلين المتناحرين مع بعضها البعض الآن، وعما إذا كانت تلوح في الأفق معارك قضائية على اسم الإخوان وممتلكات الحركة مثل المستشفيات والعقارات.
وقال العضايلة إن محاولة توريط الإخوان في المعارك القانونية هو جزء من الاستراتيجية المزعومة للحكومة من أجل إضعاف الحركة.
وترك ذنيبات الباب مفتوحا أمام إمكانية مشاركة جماعته في الانتخابات المقبلة، بعد أن قاطع الإخوان الجولتين الأخيرتين بسبب مزاعم بأن النظام فضل المرشحين المحافظين. وقال أيضا إن جماعته ستحاول إقناع القواعد بالانضمام إليهم.
وقال “سنتصل بإخواننا في المحافظات لنشرح لهم لماذا يجب ألا يبقى الأخ في تنظيم غير قانوني.”