يونجا ك. شاهين
حصل الرجل على زيادة في راتبه. لم تكن كبيرة لكنها كانت كافية لإسعاده. إذ أصبح بإمكانه أن يشتري الثوب الذي كانت تطلبه زوجته.
ولم يكن يعلم ما الذي يجعله سعيدا، هل هو زيادة المرتب أم شراء الثوب لزوجته.
ولما وصل إلى البيت كانت زوجته ترضع طفلها. وعرفت أن الذي يطرق الباب هو زوجها. فقامت حاملة طفلها لتفتح الباب.
فأخبرها زوجها بزيادة راتبه. وفرحت الزوجة أيضا.
وجهزت الطعام ووضعته على مائدة أرضية.
فتناولا الطعام.
شرد ذهن المرأة لحظةً، فتذكرت زواجها من زوجها رغم معارضة أبيها لزواجها منه. وتذكرت أن عائلتها أقصت زوجها.
ولم يكن لهما أحد سوى طفلهما في هذه الحياة.
وكانت الطمأنينة تسود بلدهما. ويشعران بها. لكن بدأت التحزبات بالظهور .وكانت توصي زوجها بتجنب الانخراط في ذلك. لكن التطورات فاقت قدراتهما وإمكانياتهما. حيث كانت بلادهما تنجرف إلى حرب أهلية شيئا فشيئا.
ثم تواردت الأخبار عن أحد الأطراف في البلد، وتفيد هذه الأخبار ببداية الحرب. وكانت النهاية المصيرية في انتظارهما ، وكانا يعلمان بذلك.
وقد أخبر الرجل زوجته عن الأوضاع في تلك الليلة. وكان مضطرا للبقاء من أجل الحرب. وقال لها إن الدولة التي بجوارهم تستقبل اللاجئين. وكان عليه أن يناضل من أجل زوجته وطفله وبلده. فقرر أن يأخذ زوجته وطفله إلى مخيم في البلد المجاور ليعود بعدها إلى الحرب.
ولم يكن بوسع المرأة أي خيار فلم تستطع أن تختار البقاء كما لم تستطع أن تدعوه للمجيء معهما.
فأخذا مستلزماتهما الضرورية والتحقا بالقافلة. ما الذي كانت تفكر فيه المرأة؟ لم تكن تعرف. فكل ما كانت تشعر به لم يكن له تفسير واضح.
وبعد رحلة طويلة وصلا إلى الحدود.
وبدأت إقامة المرأة وطفلها في دولة لا يعرفون لغتها ولم يكن معروفا كم ستستمر إقامتهم فيها.
عاد الرجل للقتال.
ولكن نضال المرأة كان أمر وأقسى.
وكانت المخيمات مكتظة ولذلك كان عليها أن تدبر أمورها.
فوجدت نفسها في نضال مرير بين الآلاف من الناس الذين يعانون المعاناة القاسية والحزينة.
عانت مع طفلها الجوع والعطش والفقر والانزواء.إذ وجدت نفسها منهزمة في بداية هذه الحرب التي تواجهها.ولو كانت وحدها لربما تحملت، لكنها لم تكن تتحمل بقاء طفلها جائعا.
فاضطرت لجمع الطعام من القمامة والتسول من أجل طفلها.
وكان أصعب شيء بالنسبة لها النوم في الطرقات.
لأن الطقس أصبح باردا. وعليها أن تحمي طفلها الصغير من البرد.
إلا أنها لم تتمكن من العثور على مأوى لهما. وسقطت مغلوبة على أمرها.
وكان طفلها يعاني من حمى شديدة وكأنه يحترق بين النيران. فإلى أين يمكن أن تذهب وماذا عساها أن تفعل.
وجدت لاجئة مثلها. الكل نصحها بالذهاب إليها. وكانت على شاكلتها. وتتفهم وضعها.
وساعدتها تلك المرأة. وأخذت الطفل إلى الطبيب واشترت له الأدوية اللازمة.
دعتها المرأة إلى بيتها. وكان ذلك جيدا من أجل الطفل. حتى لو بقي ليلة واحدة في مأوى دافئ.
فقبلت الدعوة بامتنان.
أشبعت طفلها، وأعطته الأدوية وجعلته ينام.
ثم جاءت إلى صاحبة البيت وهي تشعر بالامتنان والطمأنينة، وبعد أن أخذت كأس الشاي.
بدأت تشعر بالنعاس وأخذتها سِنة من النوم، فشعرت أن أحدا يحملها لكنها لم تكن قادرة على المقاومة.
ولما استيقظت وجدت نفسها في سرير ليس لها ووجد بجانبها رجلا لا تعرفه. فحاولت أن تصرخ وتبكي لكنها لم تستطع.لأنها شعرت بالخجل.
لم تستطع أن تحافظ على أمانة زوجها.
وكانت المرأة التي وثقت بها لأنها من بلدها في بلد غريب قد باعتها وطفلها مريض.
ولم يكن لها أحد تلجأ إليه أو تشتكي له.
فارتدت ثيابها وأخذت طفلها وهربت بسرعة.
وكانت حرارة طفلها تزداد وهمومها تزداد أيضا.
فدخلت أول مستشفى رأته.حيث كان لون طفلها يميل إلى الأزرق وبدأ يرتجف.فأخذوا الطفل من يدها لعلاجه.لكنهم أدركوا أن الأوان قد فات.
ولم يستطيعوا إنقاذه.فسقطت المرأة أرضا.
وتساءلت ما الذي أتى بها إلى هذا البلد الغريب؟ ثم فكرت لماذا يحارب زوجها ومن أجل من؟
لم تجد أي جواب لذلك. حتى الحياة فقدت معناها في نظر المرأة.
فأسرعت للخروج من المستشفى.
لقد نشر خبر “امرأة سورية فقدت حياتها جراء حادث سير. إذ لم يتمكن سائق حافلة إيقافها فصدمت المسكينة” بطريقة الكتابة التحتية ومر سريعا. ولم تعر وكالات الأنباء والقنوات التلفزيونية والصحف اهتماما يستحق الذكر لهذا الخبر ولم يخصصوا له مجالا في نشرات الأخبار.