سليم صاواش جينتش
تعرَّف العالم إلى ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) نتيجة الصراعات التي تشهدها سوريا. ونستطيع القول إن أولئك الذين خرجوا في طريق دمشق وهم يحلمون بإسقاط نظام بشار الأسد خسروا الطمأنينة التي تركوها في بيوتهم وأصبحت لديهم مشكلة مزمنة اسمها داعش.
إذن، كيف استطاع هذا التنظيم ضم بعض العرب من أهل السنة إلى صفوفه بسرعة كبيرة وكسب مقاتلين من قلب أوروبا التي يسعى الجميع للذهاب إليها والعيش فيها؟
هذا التنظيم الذي يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال، استطاع أن يشكل جبهة قتال خلال فترة وجيزة، وأصبح عنصرًا مؤثرا في تغيير التوازنات في منطقة الشرق الأوسط. كما تمكن التنظيم من إقناع بعض العرب السنة في سوريا والعراق، أكبر الدول الخاسرة في المنطقة، وضمهم إلى صفوفه، غير أن هذا الأداء الذي ظهر به التنظيم لم يدهش أحدًا من أولئك الذين يتابعون شؤون المنطقة عن كثب. ذلك أن محاولات العرب السنة، الذين يعتبرون محرومين من آفاق مستقبل واعد ومسحوقين في بلدانهم، للانتقام ضمن صفوف داعش والدخول في حرب من أجل البقاء كانت صورة توضيحها ليست فيه صعوبة كبيرة.
لكن هناك مقاتلين ينضمون إلى داعش من أوروبا أيضا، ويتوقع أن يكون عددهم أكثر من 3 آلاف مقاتل، وذلك يدهش الجميع بقدر عمليات الإعدام الوحشية التي ينفذها التنظيم. وبعض هؤلاء المقاتلين تربوا في دول متقدمة ديمقراطية ويجيدون لغات عدة، حتى أن بعضهم تخرجوا في جامعات، وقد أصبح لدى الجميع شغف لمعرفة الدوافع والأسباب الكامنة وراء انضمام هؤلاء المقاتلين الأوروبيين إلى التنظيم.
وبحسب دراسة أجرتها شركة Soufan Group التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، فإن أعمار المقاتلين المنضمين إلى داعش يتراوح بين 18 و 29 عامًا. ويبدو أن المنضمين إلى التنظيم من أوروبا هم فئة من الشباب الذين يتحركون بعواطفهم ومشاعرهم وليسوا في الأغلبية من فئة المتقدمين في العمر وينحدرون من أوساط إسلامية ويتصرفون وفق أيديولوجية أو عقيدة. ولو أن دوافع المنضمين للتنظيم تختلف من شخص إلى آخر، فإن الجانب المشترك بينهم هو تعرفهم إلى التنظيم أولًا عبر الشبكة العنكبوتية. أما الفكرة المشتركة التي أجمعت عليها المؤسسات والشركات والمعاهد التي تجري دراسات وأبحاثا في مجالات عدة هي المسافة الكبيرة التي قطعها داعش في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت.
وعلى عكس العرب السنة الذين يصارعون من أجل البقاء، فإن أبرز الدوافع لدى المقاتلين الأوروبيين في صفوف التنظيم هي تأسيس دولة إسلامية تستند إلى الشريعة في الحكم بالكامل. كما أن هناك بعض الأكاديميين الذين توصلوا إلى فكرة مفادها أنه إلى جانب المقاتلين الأوروبيين الذين تلقوا تعليمًا جيدًا وتربوا تربية إسلامية في بلدانهم الغربية، هناك مجموعة كبيرة من المقاتلين الذين تعرضوا للإقصاء في بلدانهم واحتقروا ووصلت لديهم عداوة الغرب إلى أعلى مستوياتها ولم يعد لديهم تطلع للمستقبل الباهر. وقد توصل الباحثون في هذا المجال إلى هذه المعلومات من خلال الاستعانة بأسر الشباب المنضمين إلى داعش.
نحو ربع المقاتلين الأوروبيين المنضمين إلى داعش للقتال في سوريا ينفصلون عن التنظيم ويعودون إلى بلدانهم. ويناقش القانونيون في أوروبا بصوت عال وضعية العائدين من سوريا؛ إذ إن موضوع النقاش هو بأية مادة أو مواد قانونية ستجري محاكمة هذه الفئة التي لا يعرف أحد ما إذا كان هؤلاء قد ارتكبوا جرائم في سوريا أم لا.
وتتابع أجهزة المخابرات عن كثب المقاتلين العائدين وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وتخشى الشرطة من إقدام هذه العناصر على ارتكاب أعمال تخريبية أو إرهابية في أوروبا.
من الملفت للانتباه كذلك أن نحو20% من المنضمين إلى داعش من فرنسا لم يولدوا مسلمين، بل اعتنقوا الإسلام في مرحلة من مراحل حياتهم. وقد وافق البرلمان الفرنسي على تعديل قانون مكافحة الإرهاب وصياغة قوانين جديدة تتضمن تدابير مختلفة من أجل سهولة محاكمة هؤلاء المقاتلين السابقين في داعش. كما أن دول الاتحاد الأوروبي تؤسس وحدات خاصة من أجل ضرب داعش على الإنترنت.
أما أشهر نظرية مؤامرة انتشرت حول مقاتلي داعش من الأوروبيين فهي خطيرة للغاية. إذ تشير الادعاءات المنتشرة على الإنترنت إلى أن أجهزة المخابرات الأوروبية هي التي فضلت أن يخرج الإسلاميون المتطرفون من بلادهم ليموتوا في الاشتباكات في سوريا والعراق. فيما يعتبر أهم دليل يستند إليه أصحاب الادعاء الذين يقولون إن الحكومات الأوروبية تحاول التخلص من الإسلاميين بهذه الطريقة هو عدم توقيف السلطات في مطارات أوروبا هذه الفئة من المجاهدين الذين ينضمون في أكثر المرات إلى داعش مرورًا بأراضي تركيا.
إن المسؤولين الأوروبيين الذين يتهمون تركيا بعدم إلقاء القبض على المقاتلين أثناء عبورهم من أراضيها، عليهم أن يوضحوا لماذا لم يلق القبض على المقاتلين في مطارات الدول الأوروبية التي خرجوا منها. ويظهر لنا بُعد الاتهام المتبادل أن أنقرة وبروكسل لم تكونا مستعدتين للتعامل مع مسألة تنظيم داعش.
هناك مشاكل دراماتيكية تلاحق أولئك الذين تحركوا بمبدأ “عدو عدوي صديقي” ولم يرغبوا في مواجهة داعش بدافع رغبتهم في إسقاط نظام الأسد. أما الجانب الأسوأ في المسألة فهو أن هذه الفئة التي تقترب وجهة نظرهم من داعش يومًا بعد يوم دون أن يشعروا يزيدون تطرفا مع مرور الوقت.
يبدو أن تطرفهم سيزيد أكثر في المستقبل لأنهم لم يعد أمامهم أي أمل في النجاة بطريقة طبيعية من الاتجاه الذي يسيرون فيه…
مجلة أكسيون 29/3/2015