آدم ياووز أرصلان
حصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على دعم شعبي واسع لأن الآمال كانت معقودة عليه في أن ينقل تركيا إلى مزيد من الديمقراطية والحرية. لكنه بعد فضيحة عمليات الفساد والرشوة الكبرى في 17و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 غير وجهته 180 درجة وتحول إلى حزب يمارس الضغوط والشمولية.
وانتهك الرئيس رجب طيب أردوغان الدستور بنفسه، واقترف الحزب مظالم لم تُشهد حتى في عهد انقلاب 28 فبراير/ فبراير 1997.
فقد برعوا في ممارسة الظلم إلى أن وصلوا إلى اتهام المسنين وربات البيوت الذين يشاركون في الأعمال الخيرية لمساعدة الطلاب بأنهم أعضاء تنظيم إرهابي(!) خطير.
فقد عبثوا بخطوط الصدع في المجتمع وتسببوا في انشقاقها من أجل ضمان مستقبلهم. وأسسوا إمبراطورية الخوف. والآن أصبح حتى بعض المسؤولين في الحزب والمنتمين له يشتكون من مناخ الخوف هذا.
وأذكر هنا مثالين لتلخيص الحال التي وصلت إليها البلاد:
لا تكترثوا بتصريحات أصحاب السلطة في تركيا بشكل دائم ضد أمريكا، فإن أعضاء حزب العدالة والتنمية يهتمون كثيرا بواشنطن.
وقد كان أحد كبار المسؤولين من حكومة العدالة والتنمية في واشنطن منذ أيام، وتحدثت قليلا مع أحد المرافقين له إذ إنني أعرفه منذ سنوات. وكان يبدو متوترا للغاية.وقال لي ” هل ترى هؤلاء المستشارين؟ قد يشكوني بعضهم لأنهم رأوني أتحدث معك وقد يتهمونني بأني أيضا منتم للكيان الموازي”.
مثال آخر:
ورد مقال غريب في صحيفة ديرشبيجل الألمانية في 19 مايو/ أيار الجاري، لأحد كتاب الصحيفة تحت عنوان: “لا نستطيع الحديث مع الغرب” حوى كلاما مع سياسي من حزب العدالة والتنمية في أحد الأحياء النائية بأنقرة بعيدا عن الأنظار.
قال ذلك السياسي المحترف للصحفي إنه اختار ذلك المكان البعيد عن الأنظار عن قصد لأنه يخاف من تعرضه للأذى بسبب لقائه مع صحفي غربي.
كما قال كذلك إن “ثمة ضغوط كبيرة داخل الحزب. فاللقاء بصحفي أجنبي أو صحفي تركي غير موال للحكومة ممنوع. ومن يفعل ذلك يتعرض لمشاكل حقيقية”.
وأضاف: “للأسف أصبحت ترهات بعض الأشخاص كيغيت بولوت (مستشار الرئيس أردوغان للشؤون الاقصادية والذي اشتهر بعبارة فداك أبي وأمي وأولادي يا أردوغان) هي التي تحدد مسار السياسة، أما أصحاب العقل السليم والمعتدلون فيضطرون لالتزام الصمت”. وورد في الخبر أنه تم اللقاء بأحد المسؤولين أيضا. وهو كذلك تحدث عن بعض هواجسه المشابهة.
باختصار فإن أعضاء العدالة والتنمية يعانون أجواء الضغط ولا يستطيعون التحدث بأريحية. طبعا أطلت اقتباسي من هذا الخبر لأن الحالة التي وصلنا إليها أشبه بالحزب الشيوعي في العهد السوفيتي والحزب البعثي للأسد.
ومن السذاجة أن نتوقع أن يسمح بحرية التعبير من هذا الحزب الذي يتصرف على هذا النحو حتى مع أعضائه. وفوق ذلك يخطط هذا الحزب لمصادرة ما تبقى من الصحف التي ما زالت تحافظ على حريته في التعبير باستخدام قوة الدولة. والكل في تركيا وفي العالم أجمع يعلمون أن صحيفتي زمان وحريت مستهدفتان. ويدل على ذلك ما أوردته صحيفة” نيويورك تايمز” السبت الماضي من خبر رئيسي بعنوان: “السحب السوداء تغطي تركيا”.
وانتقدت نيويورك تايمز في ذلك الخبر بشدة الضغوط الممارسة على الصحافة الحرة في تركيا، وطالبت أمريكا والناتو بعدم الوقوف مكتوفي الأيدي إزاء هذا الوضع.
وقد تم توجيه نداء لمجلس الشيوخ الأمريكي مفاده أن هناك انتهاكا واضحا للحقوق في تركيا وذلك من خلال تقديم مشروع قانون وقع عليه 29 نائبا في اليوم الأول. وذلك بمثابة تحذير خطير لأصحاب السلطة في تركيا. طبعا إن فهموا ذلك.
تخيم على القصر الأبيض في أنقرة عقلية تعلي من شأن من هم على شاكلة يغيت بولوت الذي هدد بصراحة قائلا: “لدي سلاحان ومئات من الرصاصات ومن يريد المساس بأردوغان بسوء عليه أن يقتلني أولا”.
وربما قد يقترح أصحاب هذه العقلية مصادرة صحيفة نيويورك تايمز كذلك لأنها تقوم بتحذيرات لا تعجبهم!..
