أنقرة، تركيا (أ ب)- كرئيس لتركيا، من المفترض أن يكون طيب رجب أردوغان الرجل غير المرئي في الإنتخابات العامة المقبلة، وملزما من قبل الدستور أن يكون فوق الخلافات السياسية، لكن بدلا من ذلك، الحديث كله يدور من حوله.
دراما الإنتخابات تدور حول احتمالية فوز حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان بغالبية قوية تمكنه من تغيير الدستور ووضع أردوغان على قمة السياسة التركية في نظام رئاسي جديد.
لكن حظوظ حزب العدالة والتنمية بالتفوق بدت تتلاشى، وصعود الحزب الكردي الرئيسي قد يحول دون تمكين أردوغان (61 عاما) من تحقيق طموحاته، اذا ما حصل حزب الشعوب الديمقراطي المدعوم من الأكراد نسبة 10% من الأصوات الكلية اللازمة لشغل مقاعد في البرلمان كحزب، ما يجعل من المستحيل على حزب العدالة والتنمية تحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان واللازمة للدعوة الى استفتاء حول تعديل الدستور.
وغامر أردوغان مغامرة كبيرة عندما أعلن العام الماضي بأنه سيسعى الى الرئاسة في أول انتخاب مباشر في البلاد للمنصب الفخري الى حد كبير، بدلا من قيادة حزبه في الإنتخابات كرئيس للوزراء. وراهن بعد أن انتقل الى القصر الرئاسي، بأن بمستطاعه جعل منصب الرئيس يتمتع بصلاحيات واسعة أن حظي بغالبية موسعة في البرلمان. ذلك يبدو الآن خطأ في الحسابات نادرا ما يرتكبه رجل هيمن على السياسة التركية منذ تولي حزبه السلطة عام 2002.
وبدلا من الجلوس في الخلف ومراقبة الوضع، ألقى أردوغان بنفسه في الحملة، وظهر في كل مكان في سجالات السياسة، على شاشات التلفاز وفي مقدمة المسيرات السياسية زاعما ان ذلك جزء من واجباته الرئاسية. رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، المفترض انه زعيم الحملة، بدا كظل شاحب مقارنة برئيسه.
قال أردوغان في مسيرة عقب أخرى وهو يقود الحملة الشرسة، متجاهلا الإنتقادات بأنه بذلك ينتهك الدستور “أنا على مسافة متساوية من كافة الأحزاب، لكن بالطبع هناك حزب هو أقرب الى قلبي.”
والزعيم المستبد الذي يظهر تسامحا ضئيلا أمام أقل أنواع النقد يحقر من شأن المعارضة، ويصف قادتها بالمهرجين والفاشيين، ويتهم زعماء الحزب الكردي بالإرهاب.
ولوح بالقرآن خلال المسيرات وهو ما يتعارض مع القوانين التي تمنع استخدام الدين في الحملات الترويجية.
وقال إحسان داغي، الاستاذ بجامعة الشرق الأوسط للتكنولوجيا في أنقرة: “لا يرغب إردوغان في ترك مستقبله السياسي و”قضيته” في أيدي داود أوغلو. إردوغان ينظر لنفسه كما لو كان الشخص المختار لبناء “تركيا الحديثة”.
وتحت زعامة صلاح الدين دميرطاش، المحامي السابق في مجال حقوق الإنسان البالغ من العمر اثنين واربعين عاما، تمكن حزب الشعوب الديمقراطي من توسيع نطاق قبوله في مناطق أخرى غير المناطق الكردية في تركيا، وذلك بجذب الأصوات اليسارية والليبرالية في باقي أنحاء تركيا.
اعتاد الحزب على تقديم أقل من أربعين مرشحا مستقلا للبرلمان من أجل الالتفاف حول قانون العشرة بالمائة، ولكنه يخوض الانتخابات الآن كحزب في محاولة للفوز بعدد يتراوح بين 60 و70 مقعدا وإحباط طموحات إردوغان.
وقال دميرطاش في مقابلة مع الأسوشيتد برس: “الناس يعتقدون أننا وحدنا يمكننا الحؤول دون موقف إردوغان السلطوي المطلق وما يصفه ب “الرئاسة” وهو ما نطلق عليه نحن “الديكتاتورية”.
وثمة مخاوف من أن يؤدي فشل حزب الشعوب الديمقراطي في تخطي العتبة إلى عرقلة عملية سلام عمرها عامين مع الأكراد تهدف إلى إنهاء ثلاثة عقود من الصراع العنيف.
وإردوغان الذي بدأ عملية السلام، أوقف المباحثات على خلفية مخاوف واضحة من فقد أصوات القوميين وذهابها إلى حزب الشعوب الديمقراطي اليميني المتطرف، وهو ما يتعارض تماما مع تقديم تنازلات للمتمردين الأكراد، الذين تنظر إليهم الحكومة وبعض الحلفاء – مثل الولايات المتحدة- باعتبارهم منظمة إرهابية.
وبعد ثلاثة عشر عاما من الحكم، يدخل حزب العدالة والتنمية الانتخابات مثقلا بالمشكلات، بما في ذلك تراجع الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة.
كما تأثرت صورته بسبب فضيحة فساد كبرى ورد الفعل العنيف للاحتجاجات المناهضة للحكومة في 2013، التي أشعلتها المعارضة الرافضة لخطط بهدم غازي بارك في اسطنبول.
ومؤخرا واجه إردوغان ومسؤولون آخرون انتقادات بسبب النفقات الباذخة، بما في ذلك القصر الرئاسي الجديد الذي يتضمن 1150 غرفة وينظر إليه النقاد باعتباره دليلا على ميول إردوغان للتفرعن.
“احتجاجات غازي بارك ومزاعم الفساد والنفقات الباهظة شكلت نقطة انهيار للدعم الجماهيري لحزب العدالة والتنمية”، حسبما قال أوزغور أونلوهيسارجيكلي، مدير المركز الفكري لصندوق مارشال الألماني في أنقرة.
وأضاف “ومع ذلك، لا نعرف إلى أي مدى سيؤثر هذا على أصوات الناخبين”.
ويعتمد حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض في حملته الانتخابية على أجندة اقتصادية جريئة، حيث وعد بمحاربة البطالة وتحسين الرواتب التقاعدية وظروف المزارعين، فضلا عن تحسين الديمقراطية والحريات، لكن ذلك قد يهدد بخسارته أصوات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
“هذه هي المرة الأولى منذ سنوات عديدة يطلق فيها حزب الشعب الجمهوري حملة تركز على قضايا غير متعلقة بالأيديولوجيا”، حسبما قال أونلوهيسارجيكلي، مضيفا أنه لا يزال يتساءل حول إمكانية تعزيز ذلك لدعم الحزب.
ويقول أردوغان إن النظام البرلماني يحد من آفاق تركيا لتحقيق قفزة في النمو، والتي من شأنها جعل البلاد واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم خلال العقد المقبل.
ولم يحدد أردوغان النظام الرئاسي الذي يتحدث عنه، لكن منتقدين يخشون أن يكون نظاما خاليا من الضوابط والتوازنات ويؤدي إلى حكم الفرد الواحد.
“تركيا إما ستتحرك في اتجاه الحكم الاستبدادي أو أنها ستختار الديمقراطية”، حسبما قال زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كيليجدار أوغلو للأسوشيتد برس.
ولا يبدو أن أنصار أردوغان منزعجون من ذلك.
“سنقف وراء أردوغان في كل شيء”، حسبما قال خليل عكار، أحد أنصار حزب العدالة والتنمية في اسطنبول.
وأضاف “نريد تغيير الدستور وتطبيق النظام الرئاسي”.

















