عمر شاهين – جريدة ميدان التركية
تسيطر مسألة تشكيل الحكومة وسيناريوهات الانتخابات على أجندة السياسة في العاصمة التركية أنقرة. ومع أننا شهدنا بدء حركة من المفاوضات “على المستوى المنخفض” بين أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية، فإن المخطط الذي يدور في رأس رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان سيكون عاملاً أساسيًا في هذه العملية.
تدور خلف الكواليس نقاشات حول أن النموذج الذي يفكر به أردوغان هو إظهار “تعقُّد” هذه المعضلة، وحتى السعي لـ”تعميق الأزمة السياسية” في البلاد، من أجل إجراء انتخابات مبكرة. وجميع الإشارات التي ظهرت على مدار اليومين الماضيين توضح أن أردوغان لن يسمح بتشكيل حكومة ائتلافية لرغبته في خوض حزب العدالة والتنمية انتخابات جديدة في الخريف من خلال حكومة أقلية.
لقد سيطرت حالة من الترقب على الشارع التركي للمرة الأولى بعد 13 عامًا بشأن سيناريوهات تشكيل الحكومة عقب إجراء الانتخابات التشريعية، فـ”الخطوط الحمراء” للأحزاب السياسية وأولوياتها وتوازن الحسابات يصعّب من معادلات الحكومة الائتلافية، ليبقى أردوغان هو الشخصية الأبرز في هذه المعادلات كافة؛ إذ إن دوره المؤثر داخل الحزب الحاكم يضيِّق الخناق على محاولة رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو للمناورة من أجل الخروج من هذا “المأزق”. وعليه، فقد أصبح أردوغان هو الشرط المبدئي للمعارضة كي تجلس مع الحزب الحاكم على طاولة التفاوض.
وما سيحدد إطار المرحلة المقبلة هو المخطط الذي يفكر به أردوغان والتطورات المحتمَلة داخل صفوف حزب العدالة والتنمية وموقف حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية والعلاقات مع حزب الشعوب الديمقراطي.
يمكننا تلخيص مستجدات الأوضاع على الساحة التركية فيما يلي:
بروفة الائتلاف:
يمكن أن نعتبر انتخاب رئيس البرلمان في الأسبوع الأول من الشهر المقبل بروفة لفرضية تشكيل حكومة ائتلافية. فلو دعم كل حزب مرشحه لهذا المنصب فإن حزب العدالة والتنمية هو الذي سيكسب الرهان ولو في الجولة الأخيرة. غير أن هناك احتمال كبير لأن نشهد توافقاً بين الأحزاب.
ثمة توقعات تشير إلى أن الحزب الحاكم سيفقد منصب رئاسة البرلمان بعد 13 عامًا احتفظ به خلالها. ويعد أبرز المرشحين لتولي هذا المنصب دنيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق وإيلهان كسيجي عن الحزب نفسه، وأكمل الدين إحسان أوغلو وميرال آكشنر عن حزب الحركة القومية.
تكليف داوداوغلو بتشكيل الحكومة قبل العيد:
هناك احتمال كبير أن يكلف أردوغان رئيس الوزراء داوداوغلو بتشكيل الحكومة حتى يوم 10 يوليو / تموز المقبل. وما سيتعين على داوداوغلو هو إيجاد معادلة تجعله يحصل على ثقة البرلمان من خلال 276 صوتًا خلال 15 يومًا. ولو وافق حزب الشعب الجمهوري أو الحركة القومية على التحالف مع الحزب الحاكم سيكون من السهل جدًا تخطي هذا الرقم.
هل يوافق” الشعب الجمهوري” أو “الحركة القومية” على تشكيل حكومة ائتلافية مع “العدالة والتنمية”؟
ليس هناك شيء اسمه “مستحيل” في عالم السياسة، فيمكن أن نشهد مفاجآت في أي وقت. نرى في الظاهر أن حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية يقفان على مسافة من الحزب الحاكم. والسبب الرئيسي في ذلك هو تأثير الرئيس أردوغان على الحزب. غير أن التطورات ستحدد ما إذا كان الحزبان البعيدان عن قيادة البلاد منذ سنوات سيجلسان مع حزب العدالة والتنمية للتفاهم أم لا.
شرط أولي:
يمكن لحزب الشعب الجمهوري والحركة القومية أن يجلسا على طاولة الحوار مع داوداوغلو، لكن أن يتفقا مع أردوغان فهذا شبه مستحيل. ذلك أن “الخطوط الحمراء” الخاصة بكلا الحزبين متعلقة بأردوغان. فالحزبان يرغبان في أن يتصرف أردوغان كرئيس جمهورية في دولة تحكَم بالنظام البرلماني. أما النقطة الحساسة الأخرى بالنسبة للحزبين فهي ملف التحقيق في فضيحة الفساد والرشوة ومحاكمة الوزراء الأربعة السابقين المتورطين فيها.
ماذا سيفعل داوداوغلو؟
تستمر وصاية أردوغان وسيطرته على حزب العدالة والتنمية. وفي الوقت الذي يرغب فيه داوداوغلو بمحاكمة الوزراء الأربعة المتورطين في فضيحة الفساد، يعارض أردوغان هذه الخطوة، وهو ما جعل داوداوغلو يتراجع عن تنفيذها، ويبدو أنه لن يكون بالإمكان أن يقبل داوداوغلو شروط المعارضة بالتحقيق في هذه القضية في ظل هذه الظروف، فمن الصعب أن يقدم “الأستاذ” داوداوغلو على اتخاذ أي خطوة بشكل مستقل عن “الرئيس” أردوغان.
إستراتيجية “أنا المخلِّص” التي يتبناها أردوغان
يريد أردوغان أن يحوِّل المشهد السياسي الذي يجعل التوافق شيئًا إلزاميًا إلى فرصة. ويعتنق كثيرون وجهة نظر تقول إن أردوغان يرغب في تعميق الأزمة السياسية أكثر ليقوي الرؤية التي ترى أنه “لا يمكن الاتفاق حول تشكيل حكومة ائتلافية”، وحينها سيقول إن “الحل بيدي” ليجبر الجميع مرة ثانية على قبول النظام الرئاسي نظامًا للحكم في البلاد.
انتخابات مبكرة في الخريف:
إن المشهد الذي ظهر في اليوم الأول عشية الانتخابات وفي اليوم التالي هو السيناريو الذي يفكر به أردوغان والذي يتلخص في خوض انتخابات مبكرة من خلال حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية. وبهذه الطريقة ستحافظ الحكومة على كوادرها البيروقراطية ويخوض الحزب الحاكم انتخابات أخرى دون إعطاء المعارضة الفرصة لإعادة ترتيب الأوراق. ويرى الحزب الحاكم أن هذا سيساعده على استعادة الناخبين الذين قاطعوه في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي بسبب التطورات السلبية التي يشهدها قطاع الاقتصاد، الأمر الذي سيفتح الباب أمامه من جديد لحكم البلاد بمفرده. فإذا لم تتغير مخططات أردوغان أو لم يستطع أحد تغييرها فقد تشهد تركيا إجراء انتخابات مبكرة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني أو في الربيع على أقصى تقدير.
هل يعود “جول” إلى صفوف “العدالة والتنمية”؟
يرحب مؤسسو حزب العدالة والتنمية بعودة رئيس الجمهورية السابق عبد الله جول إلى صفوف الحزب. ولو أن أردوغان فكر في عودة جول عقب النتيجة التي حققها الحزب الحاكم في الانتخابات، فربما يحسن أن نعود إلى مشهد قطع أردوغان جميع الطرق المؤدية إلى عودة جول. وكان أدروغان قد أمر بعقد اجتماع للحزب قبل يوم واحد من ترك جول منصبه كرئيس للجمهورية، ومنَح رئاسة الحزب إلى داوداوغلو لمواجهة أي احتمالية لعودة جول إلى الحزب. أما جول فيفضل أن يبقى بعيدًا عن المعادلات التي تستمر فيها وصاية أردوغان على الحزب.
مؤتمر “العدالة والتنمية”:
سيعقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره العام في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. ولو حدث أن تغير رئيس الحزب، فسنشهد تجديدًا في إدارة الحزب في هذا المؤتمر. أما خطة من يريدون عودة جول فيستند إلى تجديد إدارة الحزب وخوض الانتخابات مبكرة.
جريدة ميدان 9/6/2015
