بيروت(أ ب)- إنه الصيف في بيروت تلك المدينة الأبية المطلة على البحر المتوسط، هو موسم تدفق المشاهير والمغتربين اللبنانيين على شواطئ العاصمة اللبنانية ونواديها الليلية.
بيد أن مواطني البلد أنفسهم يختنقون من أكوام القمامة التي تزكم رائحتها الأنوف بعدما تراكمت في الشوارع، في دليل جديد على شلل الحكومة وعدم قدرتها على إيجاد حل لأزمة لتلك القمامة التي باتت تسد شوارع العاصمة.
لطالما رفل لبنان في حالة من الهدوء النسبي وسط موجة العنف التي اجتاحت دول الجوار خلال الأعوام القليلة الماضية.
وبالرغم من تدفق موجات النزوح السوري والاشتباكات الطائفية بين فينة وأخرى، فإن بيروت ظلت إلى حد كبير بمنأى عن تقلبات المنطقة واضطراباتها، حتى وإن ظل ساستها في خضم نزاعات داخلية عاجزين عن الاتفاق على رئيس جديد منذ ما يزيد على العام.
غير أن ازمة القمامة شغلت المشهد السياسي في البلاد طيلة الأسبوعين المنصرمين بعد أن أغلقت السلطات بشكل دائم مكب نفايات بيروت الرئيسي.
كانت السلطات أبقت مكب “الناعمة” جنوبي بيروت مفتوحا طيلة عام بعد موعد إغلاقه أملا في أن تجد الحكومة بديلا، لكن ذلك لم يحدث.
وعندما أغلق المكب في السابع عشر من يوليو الماضي، فشلت الحكومة في حل المشكلة ما أدى إلى تراكم جبال من القمامة في شوارع بيروت وضواحيها.
أزمة القمامة هذه تجلت في خضم أكثر أوقات السنة ازدحاما في بيروت.
نجوم عالميون بقامة المطرب الفرنسي شارل أزنافور ومغنية الاوبرا الروسية أنا نتريبكو وعازف الجاز ريتشارد بونا، كلهم يقدمون عروضا في مهرجانات صيف لبنان الشهيرة وشواطئ بيروت وحاناتها لا تجد فيها موضعا لقدم.
السائحون وزوار بيروت يتجنبون السير بالقرب من أكوام القمامة المتعفنة في طريقهم للحانات والملاهي الليلية في شارع جميزة الشهير.
ومع ارتفاع درجات الحرارة والانقطاع المتكرر للتيار الكهربي، دفعت الحرارة الحارقة ورائحة القمامة العفنة سكان بيروت الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة للاحتجاج.
الناشط البيئي بول أبي راشد يقول “إنها فضيحة .. والفضيحة الأكبر في أولئك الساسة الذين لا يرون ما يستدعي أن يستقيلوا (من مناصبهم)”.
وخلال عشرة ايام من توقف خدمات جمع النفايات، باتت الروائح كريهة للغاية، لدرجة أن بعض السكان وضعوا كمامات جراحية، فيما تزايدت أكوام القمامة في الشوارع وعلى الأرصفة وقرب مداخل البنايات.
مركز لبنان التجاري بمبانيه عثمانية الطراز وشققه السكنية الفاخرة لا يزال بمنأى عن أزمة القمامة حتى الآن فمعظم أكوام القمامة تنقل لموقع فضاء وتغطى بالبلاستيك.
واستأنفت “سوكلين” الشركة المسؤولة عن جمع وإدارة المخلفات والقمامة في لبنان، جمع القمامة لكن بشكل عشوائي وفي إطار محدود إذ تنقل القمامة إلى مكبين مؤقتين، أحدهما قرب مطار بيروت الدولي.
غير أن المكبين على وشك الامتلاء والمجالس البلدية في المدن المجاورة رفضت استقبال قمامة بيروت.
ما يجري دفع بعض الناس لاستئجار شاحنات نقل خفيفة خاصة لجمع القمامة من امام منازلهم، وتلك الشاحنات تنقل تلك القمامة لأماكن مجهولة.
لطالما افتقر لبنان لخدمات إعادة تدوير المخلفات بل وحتى خدمات فرز وتصنيف المخلفات ما جعل المشكلة تتفاقم.
وقال أبي راشد إن القمامة تزحف نحو المحميات الطبيعية ومجاري الانهار والوديان، وقادة البلاد يلجؤون لحلول كانت شائعة إبان الحرب الأهلية 1975- 1990 .
“لقد بلغ الأمر بالناس أن يحفروا في الأرض ويدفنوا القمامة”.
يقوم العمال برش القمامة بمسحوق الجير والمبيدات الحشرية للتخلص من الرائحة وانتشار الآفات، فيما يعمد البعض إلى حرق القمامة في الشارع، وهو ما يتسبب في تصاعد الأدخنة السامة في سماء المدينة.
وزير الصحة وائل أبو فاعور قال في مؤتمر صحفي الاثنين: “من واجبي أن أحذر من مخاطر صحية كبيرة قد تنجم عن الوضع الحالي. ليس لدينا متسع من الوقت أو الانتظار.”
وأشار إلى أنه دق ناقوس الخطر بعدما وصلت مكبات القمامة العشوائية إلى طاقتها الاستيعابية القصوى، بما في ذلك الموقع القريب من مطار بيروت. كما وجه وزير الأشغال العامة التحذيرات ذاتها قائلا إن القمامة تمثل خطرا على السلامة الجوية بسبب الدخان والطيور تحلق فوق القمامة.
من ناحية أخرى، عرضت ألمانيا تصدير نفايات لبنان عبر البحر – في عرض قالت الحكومة انها تدرسه إلى جانب مقترحات أخرى لإيجاد حلول طويلة الأجل مثل محارق القمامة وإنشاء مكبات جديدة.
ولكن يبدو أن الحكومة ليست في عجلة من أمرها، حيث تقوم بتأجيل القضية من اجتماع مجلس الوزراء إلى آخر.
وتواجه الحكومة انتقادات حادة منذ فترة طويلة لتباطؤها في التحرك لإصلاح البنية التحتية المتهالكة في لبنان – أحد أعراض اختلال نظام تقاسم السلطة الطائفي في البلاد الذي غالبا ما يؤدي إلى الشلل.
أضف إلى ذلك الحرب الأهلية في سوريا ونزوح ما يزيد على 1.2 مليون لاجئ يعيشون الآن في لبنان وهو ما زاد الوضع سوءا.
ورغم الغضب الشعبي، خرج عدد ضئيل للغاية من اللبنانيين إلى الشوارع للاحتجاج. ففي نمط الحياة اللبنانية التقليدي تمضي الحياة دون انقطاع. لكن الوضع قد تغير وبدأ الغضب يتصاعد في الشارع.
يقول أنطوني سماحة، رجل أعمال: “عار عليهم (السياسيين) وعار علينا إذا قبلنا العيش بهذه الصورة. ينبغي على كل لبناني شريف الاحتجاج على هذا الوضع”. وقال إن عائلته تفكر في نقل والدته، التي تعاني من مرض الربو، للإقامة مع شقيقه في باريس.

















