على بولاج
ما من حكومة إلا وترتكب ظلما بوجه أو بآخر. والشخصية الوحيدة الذي من حقه أن يدافع عن نزاهة حكمه هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ذات مرة عندما قسّم صلى الله عليه وسلم الغنائم على أصحابه، فإنَّ رجلا يدعى ذو الخويصرة لم تعجبه حصته من الغنائم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: “اعدل يا محمد”. فغضب رسول الله وقال: “ويلك من يعدل إذا لم أكن أعدل؟ خبت وخسرت إن لم أكن أعدل” (متفق عليه).
وهذا الحوار الذي جرى بينهما ينم عن 3 خصائص:
الأولى: أن العدل هو أساس الملك أو الحكم. والثانية: أنه يمكن للرعية أن تدعو الحاكم للعدل. والثالثة: هي أن الحكام غير العادلين سيكون مصيرهم الخسران في الدنيا والآخرة.
وقد صعد الرسول صلى الله عليه وسلم المنبر قبيل وفاته في أثناء مرضه فقال: “أيها الناس، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا لا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِي وَلا مِنْ شَأْنِي، أَلا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ”. (طبقات ابن سعد 2/225). وبالاعتماد على هذا الحديث فإنه لا يُعفى أحد من أداء ما عليه من حقوق حتى ولو كان رئيس دولة. والجميع له حق في البحث عن حقه وأخذه.
بطبيعة الحال هناك أهمية لهوية الأشخاص والمسؤولين، إلا أن أعمالهم وإجراءاتهم التي ينفذوها لا تماثل مصادر الدين الذي يتحدثون باسمه. ولا يمكن للحاكم الظالم أن يلتمس الشرعية من الدين. لأن الدين لا يأمره بالظلم. فقد يرتكب الإنسان الظلم لأنه يحرص على تحقيق المكاسب التي تروق لنفسه كالمكاسب الشخصية والعائلية والفئوية والطبقية والفكرية والعرقية.
ولا يكون الإسلامُ مسؤولا عما يفعله المسلمون إلا إذا كانت لأعمالهم مستندا صحيحا من النصوص الإسلامية.
وثمة سببان لقيام الحكام الذين يدَّعون الإنتماء إلى الإسلام بتصرفات تخالف أهدافهم: الأول هو أنهم لا يفقهون ماهية تلك الأهداف. وليست لهم تجربة متعلقة بتطبيق ما يعلمونه من المبادئ الأساسية في الحياة السياسية.
ولا أحد يود التخلي عن السلطة بعد أن توصل إليها. علما بأن تمسك أحد بالسلطة الظالمة يؤدي إلى تضاعف المظالم… وإن كان من يقترف الظلم يحاول تبرير ظلمه بنصوص دينية كلما ضاق من الانتقادات، حينها يقوم الجهَّال من الناس الذين يتعرضون للظلم بإلقاء اللائمة على الدين الإسلامي الذي يدعي الظالمون انتماءهم إليه. وهذا أشبه بهجر المسجد بسبب الغضب من الإمام.
وللأسف هذه هي حال السياسة الإسلامية والتوجهات الإسلامية في تركيا. وقد يكون تباحث وتدقيق الأساتذة والكتّاب والمفكرين ممن يحملون الهوية الإسلامية مجمل التصرفات المتخذة باسم الإسلام والتيار الإسلامي، هو سبيل الحفاظ على الثقة الموجهة إلى التوجهات الإسلامية والدين الإسلامي.
وإنه من الممكن الوقوف بجانب الحكومة، ولكن يجب على المسلم أو الإسلامي الذي يؤيد الحكومة أن يأتي بأدلة كلامية وفقهية على تأييده لحكومة ما. كما يجب على من يقول: “أنا متدين ولكنني لست إسلاميا” أن يبني وجهة نظره هذه على أساس كلامي وفقهي.
في الحقيقة لم يقم المؤيدون ولا المعارضون بإجراء نقاش مبني على أسس إسلامية حول الحكومة وسط هذه المشاحنات. بل أهملوا المثل الأصيلة فيما استجد من الوقائع السياسية. وليس التيار الإسلامي وحده الذي تضرر من ذلك بل الإسلام نفسه أيضا يتضرر.