بقلم: عبد الحميد كيريجي
تقدم أبرهة الحبشي حاكم اليمن نحو مكة على رأس جيش جرار بالنسبة لظروف ذلك العصر، عازمًا على هدم الكعبة المشرفة وتدمير المدينة العتيقة. وقرر أبرهة الذي خرج مع حملته العسكرية لتحقيق هذا الهدف أن يقيم مقرًا بالقرب من مكة، وبعدها أمر جيشه بسلب ونهب أموال وبضائع أهل مكة وقريش.
وكان من بين البضائع المنهوبة من قريش مائتان من إبل عبد المطلب جد الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم. وعليه التقى عبد المطلب الذي كان يتزعم مكة بأبرهة ليطلب منه إعادة البضائع المنهوبة. فدخل عبد المطلب على أبرهة سائلا إيّاه أن يرد إليه الإبل التي سلبها، فعجب أبرهة منه واحتقره، متعجبا كيف يطلب الإبل ويترك البيت الذي جاء لهدمه. فأجاب عبد المطلب”إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا يحميه”.
وبعد الحوار الذي دار بينهما قرر أبرهة أن يعيد إليه الإبل. وتوجه عبد المطلب لدى عودته إلى الكعبة وبعدما دعا ربه أن يحميها أمر أهل مكة بأن يرحلوا عنها ويلوذوا بالجبال. ونهاية هذه القصة معروفة كما ذُكرت في سورة الفيل إذ هزم الله تعالى أبرهة وجيشه بعدما أرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سِجِّيلٍ فجعلهم كعصف مأكول.
ومن المسلّم به أن الله تعالى لا يقص علينا قصة بلا مغزى في سورة الفيل، بل يذكّرنا بموقف كل من تسول له نفسه انتهاك حرمة المقدسات أو المساس بها. نقرأ نحن المسلمين هذه السورة الكريمة في صلواتنا الخمس كإحدى السور القصيرة بعد الفاتحة. والحقيقة هي أن أمثال أبرهة في العالم يعتدون على مقدساتنا يوميًا بجيوشهم الجرارة وما يشبه الفيلة في الوقت الحاضر. أي أن التاريخ يعيد نفسه. لكن لماذا لا تلوح طيور الأبابيل في الأفق يا تُرى، أم أن التوكل والإيمان بقضاء الله وقدره الذي كان لدى عبد المطلب غائب عنا نحن؟ فهو كان يؤمن في قرارة نفسه بأن الله عزّ وجلّ سيحمي بيته المقدس. لذا قرر أن يستمر في أداء عمله بعدما أخذ الإبل. إيمانه بربه كان كاملا ولم يكن تشوبه شائبة. أتساءل وأقول ما الذي يُؤخر العون الإلهي في هذا العصر الذي بلغ فيه الظلم والطغيان مداه؟ أعتقدُ أن السبب هو نقصان التوكل والتسليم بأمر الله تعالى عندنا بالمعنى التام. فالمولى عز وجل يمتحن عباده حتى يظهر مدى إخلاصهم وولائهم لقضيتهم. وما يقع على عاتقهم هو الإخلاص في قضاياهم والتصرف بثبات ورباطة جأش إزاء الابتلاءات والمصائب والنوازل التي تنزل بهم كالأعاصير. والله يريد من عباده أن يدعوا له بقلوبهم وليس بألسنتهم فقط، بل أن يدعوا له وكأنما تتقطع قلوبهم. وعندها ستلوح في الأفق ملائكة الرحمة وليس الأبابيل وحدها. صحيح أنه يراودنا الأمل ولكن هذا وحده لا يكفي، فينبغي أن نبذل قصارى جهدنا في سبيل تحقيق ذلك.
ولما كَثُرَ البلاء على الصحابة –رضوان الله عليهم- جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه ماوقع بهم من ظلم وضيم على يد الظالمين من كفار قريش،و كان صلى الله عليه وسلم مُتوسِّدًا بُرْدَةً لَهُ فِي ظِل لكعبة، فقَالَ: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ”.
بعدما فطن هؤلاء العظام إلى خطئهم الذي وقعوا فيه التفوا حول دعوتهم بقوة. وعندها أصبحت المدينة المنورة ملاذًا لهم ومكة وطن العودة. ولم يمض وقت طويل حتى صار الناس يحسدون المسلمين على موقفهم. كما أن تحذير الرسول الأكرم للصحابة يذكّرنا بالمقولة المشهورة للأستاذ بديع الزمان سعد النورسي: “لقد أظهر الزمانُ أن الجنة ليست رخيصة وأن جهنم ليست زائدة عن الحاجة”. لذا فكل نعمة من نعم الله تتطلب ثمنًا بقدر قيمتها؛ فلو كانت النعمة هي الجنة فلا ريب أن ثمنها يكون ثقيلًا. وعلى الإنسان الذي كفّر عن ذنوبه وخطاياه بالمصائب التي حلّت به أن ينجي نفسه من جهنم التي لم تُخلق عبثًا. وحبّذا لو كانت غايته نيل رضاء الله فعندها سيتضاعف الثمن الذي دفعه للجنة بمقدار الضعفين. وأحسبُ أن مؤمني هذا العصر يدفعون ثمن ذلك؛ فنصر الله قريب لكننا على عجل. العدالة الإلهية تغربلنا لتمييز الفحم والألماس. طوبى للثابتين بإخلاص على أمرهم في هذا الزمان.
وبالمناسبة اغرسوا بذور الأمل بين جوانبكم لأن مجيئ الطير الأبابيل بات قاب قوسين أو أدنى؛ فصراخ الظالمين يدل على اقتراب مجيئ الطير الأبابيل.
من موقع bedirhaber.com












