بقلم: مصطفى مجدي
أصبح المجتمع بكل طوائفه وبكل آلياته ينظر إلى الإسلام على أنّه دين متحجر وأنّه يقود إلى التعصب ويقيد للحريات، إلى جانب تحريضه على العنف وافتقاره لأي نوع من الشفقة والرحمة، وأنه لا يستوى أن يكون الإنسان متديناً ومظهراً رومانسيته فى الوقت ذاته.
كيف لا يعترف الإسلام بالحب وهو منبع الحب والطاقة التى تفيض على الكون بأكمله!؟
الإسلام يحافظ على الحب وينمقه ويهذبه ويضع له ضوابط ومعايير تتفق مع عاداتنا وتقاليدينا ومع الفطرة النقية التى تحافظ على نقاء الإنسانية، بل إنّ مفهوم الحب”الرومانسية”فى الإسلام أوسع وأشمل، فالإسلام لم يحرم الحب ولا يعتبره شيئا قد يخجل منه الإنسان؛ بل إن الإسلام ذاته يدعوك إلى الحب ويأمرك بأن تحافظ على هذا الحب وعلى حبيبتك أمام ربك ونفسك وأمام الناس، ولا تدخل نفسك فى علاقات غير مفهومة معها بل أفضل طريق عليك اتباعه هو أن تتزوجها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت للمتحابين مثل النكاح) رواه ابن ماجة.
لكن عندما ابتعدنا عن هذا الضابط ازدات نسبة المشاكل والطلاق كثيراً؛ والسبب يرجع لفهم الناس والمجتمع أنّه لا يوجد حب إلا فى فترة ما قبل الزواج، وأنّه لا يدوم بل هو خيال ووهم.
إذانظرنا فى الإسلام قليلاً نجد أنّه وضع تعابير أخرى أوسع وأشمل”للرومانسية”، مثل الرحمة والمودة والشفقة إلخ.
حتى إنّ القران الكريم حينما عبر عن العلاقة بين الزوج وزوجته استخدم تعبيراً أقوي من كلمة الحب التى قد تستعمل فى علاقة الإنسان بالأمور المادية؛ كحب المال والجاه والذهب والفضة وغير ذلك، فقد عبر عنها بدرجة أعلى وأرقى واستخدم المودة والرحمة اللتين لابد أن يكونا عنوانا لكل شئ بين الزوجين وحيين فى قلوبهما باستمرار.
وكذلك أمر الزوج باحسان معاشرة زوجته كما قال تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا( (النساء:19)
لكن الإعلام صور للناس أن الرومانسية هي تلك التى يقدمونها فى الأفلام والمسلسلات الهابطة التى قد تخدش الحياء وكلمات الغزل وما إلى ذلك من أمور تستفز النفس ويخجل منها الإنسان.
فينبهر الناس بمشهد فى فيلم لرجل يطعم زوجته ولا ينبهروا بحديث رسول الله إن أفضل الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته .
وينبهرون بتقديم الرجل الورد إلى المرأة ولا ينبهروا بحديث رسول الله من عرض عليه ريحان فلا يرده فانه خفيف المحمل طيب الريح .
ويبحثون عن الحب فى الأفلام وينجرفون وراء قصص العشاق سواء كانت فى آخر قطرة سم لروميو وجوليت أو كانت فى الصحراء وسط الكثبان الرملية لقيس وليلي وغيرها من القصص .
ولكن من منا حاول أن يستحضر مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ليري ويتعلم كيف كان هذا الحب ؟!
أين دور الخطباء والدعاة فى بيان هذا الشعور الإنساني من خلال بيان لسيرة الرسول ومواقفة مع زوجاته؟ .
لم لا نذكر أروع وأعظم محب لزوجاته وأول من علمنا أصول الحب فى التعامل مع زوجاتنا هذا التعامل المبني على الرقى والمودة والرحمة تعامل لم يعهده اى انسان على مر العصور؟.
من هذا المنطلق فإن ما يحدث فى البيوت من مشاكل وضغوط فى بداية الزواج الإسلام برئ منها تماما.
الحياة لا تخلو من المشاكل ،كل علاقة لا بد أن تكون فى بدايتها صعوبات، بهذه الكلمات والأعذار نوهم أنفسنا بأن هذه سنة الحياة وأمر لا بد أن نعيشه فى بداية حياتنا لكنني أقول إن هناك تفسيرا واحدا لهذا وهو أنه لا توجد رحمة فى قلوبنا أو لأننا لم نتأس برسولنا فى تعاملاتنا ولم نتخذه قدوة لنا لتستقيم حياتنا .
ولربما أساء بعض الأزواج فهم الاية الكريمة (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء/ 34 ) بأن لهم حق فى ضرب الزوجة والتطاول عليها وايذائها لأبسط الأمور متى شاءوا .
ألسنا مطالبين بالاقتداء برسولنا واتباعه صلى الله عليه وسلم ، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب بيده الشريفة قط.
فأين نحن من رسولنا ؟!
هلا أحسنا التعامل مع زوجاتنا وصبرنا علي أخطائهن فعندما سأل الصحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أعفو عن زوجتي وخادمي فى اليوم يارسول الله؟ فقال النبي : سبعين مرة
ولكن أنت لا تتحمل من زوجتك خطأ واحدا بل بالعكس تنتظر منها السقطة واللقطة .
ولكن لا بد أن نعي جيدا أنه لايوجد رجل كامل أو امرأة كاملة فمتى كره منها خلقا نظر إلى مزية اخري.
يقول صلى الله عليه وسلم : “لا يفرك مؤمن مؤمنة , إن كره منها خلقا رضي منها آخر” (رواه مسلم) فهذا مرتبة عالية فى الانصاف والرحمة والود.
لكن الان أصبح التعامل بين الأزواج تعامل روتيني لا يوجد فيه اي نوع من الحب . كلا منهما يقوم بدوره تجاه الاخر وكأن البيت أصبح مصلحة حكومية لقضاء المصالح دون اظهار أي نوع من أنواع السكينة والمودة والرحمة التي من أجلها شرع الزواج .
على كلا الزوجين أن يعي دوره ويفهمه جيدا وأنه يتحمل جزءا من المسؤولية التي تحتاج كثيرا إلى فهم وبصيرة وتضحية وتأس برسولنا لتخطي أي عقبة تقابلهما.
واليك بعض مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته :
هل تعلمون على الرغم من كثرة مشاغل النبي صلى الله عليه وسلم لم تنسه الاهتمام بحبيبته حتى فى سفره وغزواته؟
فعن أنس قال:
خرجنا إلى المدينة (قادمين من خيبر) فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب” (رواه البخاري)
تخيل معي يضع ركبتيه لزوجته أمام جنوده ولم يخجل من أن يرى جنوده هذا المشهد والكثير منا يستحي أن يمشي بجوار زوجته أو يلاطفها أمام أهلها ،
بل وصل الأمر برومانسيته صلى الله عليه وسلم إلى مداعبة عائشة رضي الله عنها فى ذهابه إلى إحدي الغزوات فيجعل القافلة تتقدم عنهم ثم يسابقها.. وليست مرة واحدة بل مرتين ..
وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم فى تعامله مع زوجاته أنه كان يحسن اليهن ويمازحهن ويلاطفهن ويداعبهن.
عندما كان يدعو عائشة يرقق اسمها فيقول لها يا عائش ويقول لها يا حميراء ويناديها باسم ابيها يا ابنة الصديق اكراما لها وما ذلك الا تقديرا واحتراما لأهلها .
يعرف مشاعرها وأحاسيسها
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: إنى لأعلم إذا كنت عني راضية أو إذا كنت عنى غضبى.. أما إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين لا ورب محمد.. وإذا كنت عني غضبى قلت: لا ورب إبراهيم؟؟ رواه مسلم
يقدر غيرتها وحبها
تقول أم سلمة: أتيت بطعام في صحفة لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فقال: من الذي جاء بالطعام؟ فقالوا أم سلمه، فجاءت عائشة بحجر ناعم صلب ففلقت به الصحفة فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وقال: كلوا، يعنى أصحابه، كلوا غارت أمكم غارت أمكم ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة.
يستشيرها فى بعض الامور: كما استشار رسولنا امنا صفية فى عمرة الحديبية .
يظهر محبته لها: كما فى حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع” أي أنا لك كأبي زرع في الوفاء والمحبة فقالت عائشة بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع.
ويقول صلى الله عليه وسلم عن خديجة “إنى رزقت حُبها”. رواه مسلم
وعندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة. قال من الرجال؟ قال: أبوها.
يأكل ويشرب مع زوجته: تقول السيدة عائشة رضي الله عنها كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع في، فيشرب….
لا يتأفف من ظروفها ولا يتركها أبدا، ويتكئ وينام على حجرها: حتى وان كانت حائضا تقول عائشة رضي الله عنها: كنت أُرَجِّلُ رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أسرح شعره وأنا حائض.
متى مشي معها ليلا كان يتحدث اليها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث . رواه البخارى
كان فى خدمة أهله: صلوات الله وتسليماته عليه يخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه.
يهدئ من روعها إذا غضبت ويراعيها نفسيا عند الأزمات: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غضبت زوجته وضع يده على كتفـها وقال: (اللهم اغفر لها ذنبها وأذهب غيظ قلبها، وأعذها من الفتن).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحدٌ من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات ورقاها بيديه. رواه مسلم
لا يضربها ولا يعنفها ويواسيها إذا بكت: كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تبكي، وتقول حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها، ويسكتها…”رواه النسائي
وما أعظم أن آخر انفاسه صلى الله عليه وسلم كانت فى حجر أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها
لم تكن هذه الأحداث يوما أو ليلة بل كان رحمة وسلوك يومي تجاه زوجاته صلى الله عليه وسلم.
علينا أن نفهم وندرك الأمور جيدا ونغير فهمنا تجاه ديننا
لنرجع إلى أصولنا ولتكن سيرة نبينا هى غايتنا ومسلكنا ولنبني حياتنا على أسس الإسلام الوسطي ولتكن قلوبنا عامرة بالحب الذى شرعه الله لكي نعبر به طريقنا إلى الجنة.
https://youtu.be/X6fK4kk2Mys
