تقرير: محمد عبيد الله
زعم رشاد بيتاك نائب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا رئيس لجنة التحقيق البرلمانية في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في منتصف يوليو / تموز الماضي أنهم فشلوا في الوصول إلى الذراع السياسي للانقلابيين.
وفي كلمة ألقاها في اجتماع للحزب الحاكم في مدينة قيصري وسط تركيا، قال بيتاك “لقد استمعنا إلى 141 شخصاً في إطار تحقيقاتنا ضمن لجنة التحقيق البرلمانية، واكتشفنا أن مجلس الصلح في الوطن، الانقلابي، يتكون أعضاؤه من 38 شخصًا، لكننا لم نستطع إماطة اللثام عن الجناح السياسي للانقلابيين”، على حد قوله.
واعترف بيتاك بوجود ضحايا ووقوع انتهاكات في إطار ما يسمى بتحقيقات منظمة فتح الله غولن، حيث قال: “نعم هناك عديد من الضحايا، لكن الحكومة لا تقف وكأنها أعمى وأصم تجاه المظالم والشكاوى، بل أبواب القضاء مفتوحة لكل من يقول إنه تعرض للظلم واسترداد حقوقه”، حسب قوله.
يذكر أن الرئيس رجب طيب أردوغان يتهم الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري، لكنه حتى الآن لم يقدم للشارع المحلي والدولي ما يؤكد ادعاءه هذا، فضلاً عن أنه لم يرض بطلب غولن إجراء تحقيق دولي للكشف عن ملابسات الانقلاب والكشف عن منفذيه.
وكانت تقارير استخباراتية غربية كشفت عن تخطيط واستعداد أردوغان لهذا الانقلاب منذ أكثر من عام بهدف الحصول على الذريعة اللازمة لتصفية الكوادر التي يراها عائقًا أمام تحقيق حلمه في نقل البلاد إلى النظام الرئاسي الذي سيكون في ظله الرجل الأوحد الذي يتحكم في كل شيء بمفرده.
وكانت السلطات الأمنية نقلت عن بعض الجنود المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب انتماءهم إلى حركة الخدمة أثناء التحقيق معهم في مراكز الأمن تحت التعذيب، إلا أن المتهمين أعلنوا في أول مثول لهم أمام المحكمة قبل أسبوعين انتسابهم إلى التيار القومي الأتاتوركي وليس لهم أي علاقة مع حركة الخدمة، وأن رئيس الأركان خلوصي أكار هو كان رأس المجلس العسكري الانقلابي، وأنهم لم يفعلوا سوى تنفيذ الأوامر الصادرة من رئاسة هية الأركان العامة.
ومن اللافت أن الحكومة امتنعت حتى الآن عن إعلان تفاصيل نتائج التقرير الرسمي للجنة تقصي الحقائق بالبرلمان الخاصة بمحاولة الانقلاب التي وقعت في في 15 يوليو/ تموز 2016، بالرغم من مرور أكثر من 60 يومًا على انتهاء أعمال البحث والتقصي، مما فتح الأبواب أمام انتقادات عديدة تزعم أن التأخير هدفه تجنب التأثير سلبًا على عملية التصويت في الاستفتاء الشعبي المقرر في 16 أبريل/ نيسان.
ومع أن المعارضة أصرَّت على استدعاء رئيس أركان الجيش التركي خلوصي أكار للاستماع لأقواله أمام لجنة تقصي الحقائق، إلا أن اللجنة رفضت تلك الطلبات واكتفت بإرسال حزمة من الأسئلة إليه في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2016. وبحسب مصادر داخل اللجنة، فإن اللجنة لا تزال في انتظار إجابات الأسئلة الموجهة لخلوصي أكار، الذي تبين أنه أجرى لقاء سريا مع رئيس المخابرات هاكان فيدان دام ست ساعات قبل يوم واحد من الانقلاب.
إفادات الجنود المتهمين بالانقلاب تكشف الحقيقة
يذكر أن الرائد تانر بربر المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس أردوغان أثناء الانقلاب أعلن أمام المحكمة أنه وزملائه من التيار الأتاتوركي القومي، ولا علاقة لهم بحركة الخدمة من بعيد أو قريب. ونظرا لأن عامة الناس في تركيا يطلقون على المتطوعين الذين يتولون مهام في أنشطة حركة الخدمة التعليمية والخيرية “الأئمة”، أجاب بربر على سؤال حول ما إذا كان له علاقة بحركة الخدمة أم لا بقوله: “لا أعرف أحدا ممن تسمونه أئمة حركة الخدمة، ولا أعرف كيفية التكوين الداخلي لهذا التنظيم، إني أعرف إماما واحدا فقط وهو إمام الجامع الذي يعرفه الجميع. إننا جميعا كعسكريين نمر بعديد من مراحل البحث والتحري اعتبارا من انضمامنا إلى الكلية العسكرية، ولو كانت لنا أي علاقة بهذه الحركة لظهرت منذ البداية، ليست لنا أي علاقة بهذا التنظيم، وقد تعرفت على تطبيق بايلوك (Bylock) (المزعوم بأنه الوسيلة السرية لتواصل الانقلابيين فيما بينهم) أثناء التحقيقات معي أمام الشرطة، ولم أذهب حتى لمدارسهم ولا أمتلك حسابا في بنوكهم، فأنا ضابط محب لوطنه وقومي يسير على خطى مبادئ وأفكار مصطفى كمال أتاتورك، لا علاقة لي بهذه الحركة”.
فيما تطرق القائد موتلو سركان فوردم إلى مزاعم العثور على نسخة من جريدة “زمان” بتاريخ 23/12/2016 في غرفة عمله وكتب تضم مجموعة أدعية، وشدد على أنه لم ير طوال فترة عمله صحيفة زمان في غرفته ولا تلك الأدعية أبدا، ورجح أن مجهولين وضعوا هذه الأشياء في غرفته لكي يتم تصنيفه من أنصار حركة الخدمة.
بينما قال العميد جوكهان سونماز أتش الذي كان قائد الفريق المتوجه إلى فندق أردوغان ليلة الانقلاب إنه وزملاءه نفذوا الأوامر الصادرة من رئاسة الأركان، وليس لهم أدنى علاقة مع حركة الخدمة. فضلا عن ذلك، فإنه أعلن أنهم لم يتوجهوا إلى مرماريس لاغتيال أردوغان، بل لاصطحابه إلى أنقرة تنفيذا لأوامر رئاسة الأركان، لكنهم تعرضوا للخداع والخيانة حيث أمرهم قادتهم بالانتظار 4 ساعات قبل إقلاع طائرتهم نحو فندق أردوغان لكي يعطوا الفرصة له حتى يتمكن من الوصول إلى إسطنبول.
وصرح سونماز أتش في المحكمة قائلا: “في الوقت الذي كان العالم بأسره يعلم أن أردوغان متجه إلى إسطنبول، أرسلونا إلى مرماريس لإيقاعنا في الفخ، لم أتواصل مع المساعد العسكري لأردوغان، لو كنت أنا من خططت لهذه العملية، لكنت نجحت في إتمامها أو ألغيتها، لا أؤمن أن فتح الله غولن هو “المسيح” أو “الرسول” كما تدعي السلطات، فهذا اعتقاد ضال باطل، ما أفكر فيه حاليا هو العثور على جواب لسؤال “من الذي ضللنا وخدعنا وجعلنا ننتظر أربع ساعات؟”.
فيما طالب أحد المتهمين العسكريين الرئيس أردوغان بالرد على سؤال “لماذا توجهتم إلى إسطنبول لوحدكم وبقي حرسكم الشخصي في الفندق”، ما يكشف عن خيوط مسرحية الانقلاب.
انهيار صورة البطل!
إن دلت هذه الاعترافات على شيء فإنها تدل على زيف القصة المنسوجة حول نجاة أردوغان من هجمات الانقلابيين على فندقه كالأبطال، وتمكن طائرته من الإقلاع، ووصولها إلى مطار إسطنبول بسلام وسط مخاطر عديدة، إذ توجهت طائرة الفريق العسكري إلى مدينة موغلا بعد وصول طائرة أردوغان إلى إسطنبول، وهو ما يعني أن العسكريين عندما وصلوا إلى الفندق كان أردوغان قد وصل إسطنبول.
على الرغم من أنه لم يخرج أحد من المتهمين العسكريين حتى اللحظة معترفا بأنه منتم إلى حركة الخدمة ونفذ الانقلاب بأمر صادر من غولن، لكن أردوغان يصر على ذلك لكي يتستر على دوره في هذا الانقلاب. لكن إفادات العسكريين في “المحكمة” أسقطت حكم “الاعترافات” المنتزعة منهم في غرف التعذيب بمراكز الأمن من جانب؛ ومن جانب آخر أثبتت مرة أخرى أن أردوغان اتفق مع بعض القادة العسكريين ودبروا انقلابا تحت سيطرتهم من خلال استغلال سذاجة بعض الجنود، وصمموه على الفشل، ومن ثم ألصقوه بحركة الخدمة، لكي يحصلوا على الذريعة اللازمة لتصفية الكوادر غير المرغوبة فيها بالمؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة.