سليم جوندوز
كان وصف “القائد الأعلى” من دون الفوز بمعركة يبدو فضفاضًا على الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن بـ”لطف من الله” تحقق هذا الأمر أيضًا! حدث شيء أشبه بحرب الخليج التي بثتها قنوات التلفزيون مباشرة. الانتصار العظيم شاهده المئات على شاشات التلفاز والملايين على موقع يوتيوب. صُنع مجد سيجعل الناس ينسون زيارة وزيرة الأسرة التركية أو فاتحة أوروبا – لقبها الجديد – إلى هولندا. ويتوجب على وزارة التعليم إفساح مساحة كبيرة لهذه المعركة في المناهج الدراسية الجديدة.
لم يكن أقدم شاب صربي على اغتيال أمير مملكة النمسا والمجر، ولم يكن اعتدى شاب كردي على الأمير التركي ولي العهد برات ألبيراك صهر أردوغان.
رُفع شعار عنيف كتب عليه “أردوغان قاتل الأطفال”. كيف كان لشعار “قاتل الأطفال” أن يُرفع في وجه أردوغان معشوق الجماهير وممثل السلام والديمقراطية والعدل!
الأكراد تخطوا الحدود
لأن من تسبب في مقتل مئات الأطفال والرضع، ودمر المدن في جنوب شرق تركيا لم يكن أردوغان، بل رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو هو من فعل ذلك! لم يكن أردوغان هو من أنهى عملية السلام مع الكرد ودفع البلاد إلى بحر من الدماء، متسببا في مقتل آلاف المدنيين والجنود ورجال الشرطة بعد تعرضه للهزيمة في انتخابات السابع من يونيه/ حزيران عام 2015 بل كان صلاح الدين دميرتاش الزعيم الكردي المسجون حالياً!
لم يكن أردوغان هو من شرّد مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين والعمال والمدرسين وألقى بهم في الطرقات دون عمل بل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل! لم يكن أردوغان هو من شتت الأسر وفرّق 17 ألف سيدة عن أطفالهن بل رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس!
نفد صبرهم وهتفوا ” أردوغان الإرهابي” وكأن أردوغان هو من صنّف 40 ألف شخص برىء من بينهم صحفيون وكتاب ومدرسون وأطباء ونساء لم يحملوا حتى مطواة “إرهابيين”، وأمر بإلقائهم في السجون وتعذيبهم و”عدم منحهم حتى الماء”، بل من فعل كل هذا كان بدون شك بشار الأسد.
وبسبب كل هذه الأمور انزعج أردوغان ولم يستطع تحمل الظلم، وفور سماعه باللافتات أصيب بصدمة داخل السيارة المرسيدس الخاصة به التي اصطحبه معه من تركيا على متن طائرة شحن. هؤلاء الأكراد كانوا ناكرين للجميل. أيصح فعل هذا في الوقت الذي سيحول فيه ديار بكر التي هدمها كيليتشدار أوغلو إلى طليطلة.
الأكراد هدفكم الأول، تقدموا!
السلاطين السابقون كانوا يتابعون ويديرون المعارك من خيامهم على تبة عالية، وأردوغان كان سيدير هذه المعركة من داخل سيارته المرسيدس. أشار بيده إلى مدير الحرس الشخصي محسن من أمام السيارة المرسيدس التي فُتح بابها مطالبا إياها بالاقتراب وهمس له بأن يفتعل حربا سرية وبالفعل أمر محسن أفراد الحرس الشخصي بالاعتداء على المحتجين. صُدم قائد الحرس لسماعه هذه التعليمات وسأل محسن ما إن كان يعي جيدا ما هو مقدم على فعله، غير أنه استدعى رفاقه بعدما استشف من عينيه إصرار محسن على الأمر وأبلغهم أن هدفهم هو خمسة عشر كرديا من المحتجين!
البعض زعم أن أردوغان رجل مسالم لكن هذه النظرية تبخرت عندما اعتدى حرسه على المحتجين في غضون ثانية واحدة من تلقيهم التعليمات. في تلك اللحظة تم تفعيل مصطلح “سلاح أسرع من الضوء” الذي اخترعه كاتب صحيفة “يني عقد” عبد الرحمن ديليباك، حيث إن سلاح “لكمة أسرع من الضوء” الذي سبق وأن اختبره العدالة والتنمية في كارثة منجم سوما حقق انتصارا سريعا.
تعرض المحتجون من نساء ورجال وكبار في السن لهزيمة وتحولت الساحة إلى بحيرة من الدماء، وبعدما هدأ قلب أردوغان الذي كان يشاهد المعركة من داخل سيارته بنخوة الانتصار ترجّل من سيارته بخطوات واثقة وظل ينظر لفترة إلى الساحة بكل افتخار ومن ثم دخل السفارة على طريقة القائد المنتصر.
يا ليت الزي العثماني أيضًا!
كل شيء كان على ما يرام لكن كان هناك قصور في الطواقم. كان يتوجب على السفير التركي في واشنطن سردار كيليتش تحضير بعض الأشياء مسبقا. لقب السفير كيليتش – ويعني في اللغة التركية السيف – لكن ليس لديه تجارب في الحروب لهذا اهتز أمام القائد الأعلى ونسي هذه الأمور وهو يلوح بأصبعه.
المتظاهرون الأكراد هذه المرة أعدوا العدة وأحضروا مكبر صوت، لكن لو كانت فرقة المهتر العثمانية موجودة لتم التعتيم على صوت مكبر الصوت. ولو كان مذيع قناة A Haber أركان تان لكانوا داهموا مقر صحيفة واشنطن بوست التي نشرت مقال فتح الله كولن وكانوا أيضا لفتحوا البيت الأبيض.
أين خلوصي آكار؟
الخطأ الآخر كان خطأ إلباس الحرس الشخصي بذلات، لو كان الحرس الشخصي قد ارتدى الأزياء القومية الستة عشر للدولة التركية ما كانت سراويلهم لتتمزق وماكانت وحدة البلاد لتتضرر. تخيلوا ما كان ليحدث لو ارتدى الحرس الشخصي الزي العثماني؟ كانوا لهزموا مصارعي السومو بسهولة.
الأمر الآخر الذي كان غائبا عن المشهد كان غياب خلوصي آكار عن ساحة المعركة. أين اختفى أم أن الأكراد قاموا هذه المرة باحتجازه رهينة؟ ومع حلول المساء في واشنطن كانت كل القنوات التلفزيونية الدولية تبث هذا الانتصار، وأصبحت تركيا محط حديث العالم مجددا، واكتسبت كتب التاريخ ملحمة جديدة.

















