بقلم مايسترو
فتوى باطلة لداعش تبرر حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيًا
(زمان التركية) – نظراً لجوهرية موضوع مواجهة الفكر المتطرف فسوف يكون هذا المقال استكمالاً لمقالنا السابق الذي تناولنا فيه إشكالية التطرف الذي نراه أحد أهم جذور ظاهرة الإرهاب الذي يجتاح العالم، فإذا أردنا أن نواجه الإرهاب مواجهة حقيقية فلنبذل جهداً مركزاً لاقتلاع جذوره، فالشباب الذي يقوم بعمليات انتحارية يفجر فيها نفسه مستهدفاً ممثلي الدولة تارة، والأفراد العاديين تارة أخرى ومعتقداً أن هذا العمل يعد جهاداً في سبيل الله.. فلا شك أنه ضال على المستوى الفكري ويحتاج لمعالجة خاصة.. وإذا كانت الجهود التي تبذل في وقاية الجمهور من الدخول في دائرة التطرف ربما تأتي بنتائج جيدة إذا أُحسن توظيف آلياتها.. إلا أنه في حال دخول أشخاص لدائرة التطرف فإن معالجة فكرهم السقيم تصبح مسألة في غاية الصعوبة.. أما إذا انتقل متطرف لدائرة الإرهاب فحَمَل السلاح أو ارتكب أي جرم من الجرائم الإرهابية فإن الأمل في معالجته فكرياً يصبح ضئيلاً للغاية، ويؤكد هذا ما أعـلنه مجلس الشيوخ الفرنسي في فـبراير 2017 من فشل تام لبـرنامج ” إنهاء التطرف وإبطال التجنيد وإعادة دمج المسلحين في أوربا ” وهو البرنامج الذي حاولت به السلطات الفرنسية القيام بمعالجات فكرية للفرنسيين القادمين من مناطق الصراعات ـــ سوريا والعراق وغيرهما ـــ كما أكدت وزارة الداخلية الفرنسية بعد الإعلان المشار إليه أن التطرف الفكري ظاهرة حقيقية؛ وأنه يتم متابعة حوالي 22 ألف حالة تطرف؛ وليس بمستغرب فشل فرنسا في هذا الشأن فالأمر يحتاج لخبرة غالباً افتقدها القائمون على تصميم وتنفيذ هذه البرامج.
وجدير بالذكر أن نسبة نجاح تلك المعالجات تكون غالباً ضئيلة، فالمهمة بالغة التعقيد وتحتاج لجهد جهيد وصبر واحترافية، خاصة حال التعامل مع فئات :
*العائدون من أماكن الصراعات ويشتبه في تورطهم مع التنظيمات الإرهابية، وقد لاحظنا أن جميع الدول الأوربية رفضت استلام رعاياها ممن انضموا لتنظيم داعش وتم القبض ووضعهم في سجون داخل العراق وسوريا ـــ وفي حالات استثنائية طالبت بعض الدول باستلام الاطفال فقط لوضعهم في مراكز للرعاية في بلادهم ـــ وعقب محاكمتهم والقضاء على بعض منهم بعقوبة الإعدام انتفضت تلك الدول اعتراضاً على هذه العقوبة.. !!!.
*المتهمون الذين حصلوا على أحكام بالبراءة في قضايا إرهابية وعايشوا في فترة حبسهم على ذمة القضية المتطرفين والإرهابيين بالسجن.
وبهذا فإعادة تأهيل هذه الفئات للاندماج في المجتمع يعد أمراً جوهرياً؛ وهو محل اهتمام بالغ خاصة من قبل دول أوربية تعاني من مخاطر الإرهاب.. وجدير بالذكر أن تطبيق نظام المعالجات الفكرية يتطلب بالضرورة تعديلات تشريعية للقانون. هذا ولعل أبرز مظاهر التطرف الفكري المرتبط بظاهرة الإرهاب هو التطرف الديني الذي يذهب فيه المتطرف إلى تكفير الحكام، وقد يصل به الأمر إلى تكفير كل من هم خارج التنظيم الذي ينتمي إليه، وبموجب هذا التكفير يستحل الدماء والأعراض والأموال؛ وذلك على شاكلة تنظيم داعش وبوكو حرام… وغيرهما، فهذه التنظيمات التكفيرية خرجت من رحم التطرف ثم تجاوزوا هذه المرحلة وصولاً لدائرة الإرهاب، فساقهم تطرفهم إلى الدخول في دائرة الإجرام الإرهابي.. فناصبوا العداء للإنسانية باسم الدين.. والدين منهم براء.
ولعلنا نتفق على أهمية التعليم كعامل مؤثر بقوة في محاربة التطرف والإرهاب، ويحضرني في هذا السياق كلمة فيكتور هوجو ” He who opens a school door, closes a prison ” فلا يمكن الحديث عن تقدم قائم على أسس صلبة ومستدامة دون تعليم عصري يجمع بين الجوانب المادية المتمثلة في العلوم والمعارف الحديثة، والجوانب القيمية والأخلاقية.. وبيت القصيد في هذا السياق أن تصمم مناهج الدراسة وطرق التعليم تؤدي لنتيجة أساسية تتمثل في خلق شخصية قادرة على إعمال المنطق والعقل بعيداً عن أساليب التلقين، فالأخيرة تُعِد أشخاصاً منغلقين يسهل توجيههم.. واستغلت جماعات الفتن والضلال التعليم كمنصة تعبث من خلالها بمدارك أجيال الغد، حيث عمدت هذه الجماعات إلى تشويه تعاليم الدين، وغرس أفكارها المسمومة، على نحو يستهدف جرّ أبناءنا وشبابنا إلى دوامات للتطرف والعنف.. ونستطيع أن نرصد اتجاه جماعة الإخوان المسلمين في مصر لإنشاء العديد من المدارس الخاصة التي تُدرس وفق نظم تعليمية دولية International ) schools ) ومن خلال إدارة تلك المدارس يتم انتقاء جانب من المدرسين بمواصفات معينة يمكن من خلالهم الترويج للأفكار المتطرفة.. وعقب ثورة 30 يونيو تم نقل الإشراف على تلك المدارس لوزارة التربية والتعليم المصرية، فالتعليم سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه كمنارة لبث الوعي، وأداة فاعلة ومؤثرة لتحصين النشء والشباب من الأفكار الهدامة، وتعزيز انتمائهم وولائهم للوطن، وترسيخ اعتزازهم وفخرهم بهويتهم الوطنية؛ كما يمكن أن يتم توظيف التعليم لترسيخ أفكار متطرفة في عقول ووجدان التلاميذ أو الطلبة.
بلال أردغان وبزنس وقف معارف
هذا ونرصد في هذه الأفق أيضاً سعى أردوغان لاستخدام التعليم كمنصة لتحقيق النفوذ خارج تركيا، وذلك من خلال ” وقف معارف ” وتمويل مدارسه في عشرات الدول، ففي عام 2016 أقر البرلمان التركي قانوناً لإنشاء الوقف الجديد بهدف تأسيس مدارس في الخارج لبسط نفوذ حزب العدالة والتنمية وتحجيم انتشار مدارس حركة الخدمة التابعة للمصلح الاجتماعي الأستاذ فتح الله غولن المقيم حالياً بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وبعد عام من إنشاء الوقف بلغ عدد المدارس التابعة له حوالي مائة مدرسة، استقبلت 10 آلاف طالب في 20 دولة، وأخضعتهم لمناهج وصفها بأنها ” إسلامية ” وبهذا يواصل أردوغان إتجاره بالدين؛ وابتزازه لبعض الدول بورقة المساعدات الإنسانية والمالية، مثل السودان والصومال.. حيث أوعز إلى حكوماتها تسليم مدارس حـركة ” الخـدمة ” إلى سفارات تـركيا لتحـويلها إلى مدارس تـابـعة لــ “وقف معارف”.
وأذكر عندما عملت عدة سنوات في بمملكة البحرين فقد دار حوار بيني ومسئول رفيع المقام بوزارة التربية والتعليم معني بمناهج التعليم بالوزارة، وطرح الأخير إشكالية تتمثل في تدريس مادة التربية الدينية في كم من المدارس التي ينتظم بها غالبية من التلاميذ المنتمين للطائفة الشيعية، فرغم أن مناهج وكتب التربية الدينية روعي فيها أن تتفق مع الفكر الإسلامي الوسطي.. إلا أن انتماء بعض مدرسي الدين للمذهب الشيعي يجعلهم يدرسون الفكر الشيعي بعيداً عن المنهج المقرر.. والتمس مني النصيحة، فمحدثي يعلم أن لي باع كبير في مجال منهجية التدريب، فأجبته بأن أهم سبل الحل تتمثل في الإجراءات الآتية :
أولاً : يجب أن يستبدل مدرسي الدين الشيعة فوراً.
ثانياً : نظراً لتعذر إحلال بديل عن المدرسين المشار إليهم بشكل فوري، فأقترح أن يكلف عدد من علماء الدين الثقات لتدريس المادة من خلال لقاءات مجمعة للطلاب في كل سنة دراسية، فيعقد للتلاميذ محاضرات في مُدَرج يتسع لعدد كبير منهم، ضماناً لأمن المعلومات التي يتم تغذية أذهان التلاميذ بها.
ثالثاً : يتم إجراء تدريب تحويلي لمدرسي الدين الشيعة لتوظيفهم في مجالات عمل يستفاد بها منهم.
رابعاً : يتم منحهم علاوات مالية مناسبة على أثر إلحاقهم بالأعمال الجديدة.
خامساً : ترسيخ قيم المواطنة للتلاميذ بعيداً عن أي اعتبار ديني أو مذهبي.
وجدير بالذكر أنه وبالرغم من كون أغلبية الشعب البحريني ينتمي للمذهب الشيعي، إلا أن المتطرفين المتأثرين بالنهج الإيراني منهم قلة قليلة، وتبذل مملكة البحرين جهوداً وافرة لتعميق روح الانتماء الوطني لديهم.