بقلم: هيثم السحماوى
“فى ظل ما نحياه من ظروف تجتاح العالم من صراعات وتوترات وقلق – حتى بات الإنسان وكأنه يسير على ارتفاع شاهق ويحتاج إلى حفظ توازنه لئلا يسقط – ترددت فى أعماقي صدى الكلمات “كونوا حكماء كالحيات” فكانت الحكمة هي خير ما أبدأ به حيث نجتمع إليها ونستقي من ينابيعها ما يسهل لنا سبلنا فى هذا العالم”.
كلمات لنيافة الحبر الجليل الأنبا أرميا الأسقف العام، والأمين العام المساعد لبيت العائلة المصرية ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، قدم بها كتابه القيم الذي سمي المقال باسمه “الحكمة” الذى أهداه لي قداسته مع كتابين آخرين “البداية والنهاية، الماسونية” عندما ذهبت لزيارة سيادته الأربعاء الماضي في المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي؛ ذلك الصرح المصري العظيم الذى يضم أكاديميتين، وتقام به الندوات التوعوية والدورات التدريبية، والمعارض، والتكريمات والجوائز، ولديه اتفاقيات تعاون وتبادل مع كثير من الدول والمؤسسات داخل مصر وخارجها، ويضم أيضا ركنا عظيما يتمثل فى متحف ومكتبة لقداسة البابا شنودة الثالث رحمه الله. وفي كل شىء يعرضه المركز عندما كنت أسأل نيافة الأنبا إرميا لمن هذه الخدمة؟ وكانت إجابته “بكل تأكيد لكل المصريين”.
وعودة لكتاب الحكمة، فلقد قام بتقديمه الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق والأمين العام لبيت العائلة المصرية. يقول الأنبا إرميا إن الحكمة هي وصول الإنسان إلى غايته وهدفه من خلال الوسائل الصحيحة والمناسبة، ويوضح قداسته أن الحكمة من عند الله ويمكن للإنسان أن يكتسبها بطرق مختلفة كالمشاورة، ومرافقة الحكماء، والقراءة والتأمل، والخبرة، ومحاولة التحلي بصفات الحكماء، وهي التواضع، الصبر، الوداعة، المحبة وغيرها. هو مستمعا جيداً وكثيراً، ومتحدثا قليلا بعد ترو فى الفكر ووعى كامل لكل ما يقوله وفهم لقيمة الكلمة ومدى خطورتها – الدقة فى كل شىء – يتمتع بفن اتخاذ القرارات – والعدل عند الحكم على الآخرين – عدم الحكم بالمظاهر وتقدير كل إنسان لذاته – لا يتسرع فى الغضب.
يشبه نيافة الأنبا إرميا الحكيم بقائد الأوكسترا الذي له الآذان تستمع وتستطيع إدراك أهمية دور كل آلة فى العمل الموسيقي، وكيف أنه حين تتوقف إحدى هذه الآلات يؤثر هذا في العمل كله ذاكرا هذا المثال: ففى إحدى الحفلات، وأثناء عزف إحدى المقطوعات الموسيقية، شعر عازف الفلوت أن دوره غير مهم وأنه يقوم بعزف جزء صغير لا يلاحظه أحد. فقرر عدم المشاركة وحينما جاء الجزء الذي يعزفه بمشاركة الآلات الموسيقية الأخرى رفع الفلوت إلى فمه إلا أنه لم يقم بالعزف ظنا منه أنه لن يكتشف أحد غياب الفلوت وسط أصوات الآلات الأخرى ولكن فجأة توقف قائد الفرقة الموسيقية ليسأل أين الفلوت؟!
دامت الأمة الإنسانية بكل حب وخير