- تقرير: محمد أبو سبحة
القاهرة (زمان التركية)ــ بعثت القيادة السياسية الجديدة في العراق، خلال تجمعين دوليين، رسالة مفادها أن الحكومة ستبدأ ولايتها، بفتح ملف شح المياه والعمليات العسكرية في إقليم كردستان، وهي بجانب كونها تلفت نظر الرأي العام الدولي إلى أن هناك رفضًا للمساس بحقوق العراقيين، فهي رسالة موجهة إلى تركيا بالأخص، مفادها أنه بات يجب على أنقرة التخلي عن استراتيجيتها القديمة في التعامل مع شكاوى العراق من قضيتي الأمن المائي وأمن الحدود.
حصة العراق من المياه
كانت البداية من الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي تحدث في ثاني أيام قمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ عن أن أبرز الأزمات التي يواجهها العراق حاليا وهي التصحر، بسبب الفقر المائي المتسبب فيها دولتي المنبع للأنهار الحدودية إيران وتركيا، داعيا البلدين وخصوصا تركيا إلى تعاون جاد لحصول العراق على حصته العادلة من المياه.
وكان عبد اللطيف قال في تغريدة قبل ساعات من كلمته، إن العراق سيعمل مع الشركاء في قمة المناخ من أجل “إعادة الحياة لأنهارنا ومزارعنا وغاباتنا” بعد أن بات الجفاف يظهر بوضوح على نهري دجلة والفرات وروافدهما.
وقبل أيام من ذلك، كانت مشكلة شح المياه حاضرة أيضا في كلمة الرئيس العراقي خلال القمة العربية في الجزائر، حيث أشار إلى معاناة العراق من الأزمة المتسبب فيها إيران وتركيا.
وقف الاعتداء التركي!
كذلك أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عقب الاجتماع الثالث لمجلس الوزراء، أنه فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، فإن ملفي الأمن والمياه على رأس أجندته بجانب الاقتصاد.
السوداني قال خلال مؤتمر من العاصمة بغداد، إن ملف المياه يحتاج “موقفاً واضحاً” من قبل تركيا لارتباط الأمر بالزراعة ومعيشة المواطن، مؤكدا أن الحصة المائية للعراق مكفولة بموجب القانون الدولي. وفيما يخص الملف الأمني أكد السوداني أنه لابد من وقف “الاعتداء التركي” على الأراضي والحدود العراقية، محذرا من اختبار حكومته في قضية الأمن.
تشن تركيا عمليات عسكرية متواصلة في شمال العراق منذ عام 2019، عبر التوغل البري وباستخدام قذائف المدفعية والطائرات المسيرة، في المنطقة الحدودية مع إيران والعراق، لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الانفصالي، فيما كانت بيانات وزارة الخارجية العراقية غير فعالة في وقف العمليات العسكرية التركية، خاصة في ظل الزيارات المتبادلة لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم الكتلة “العزم” السنية في البرلمان خميس الخنجر مع تركيا، ولقائهم بالرئيس رجب طيب أردوغان.
الكيل بمكيالين
على المستوى الشعبي هناك غضب في إقليم كردستان بسبب ما يتم اعتباره تواطئًا من حكومة الإقليم مع تركيا، ورد الفعل الرسمي غير المتناسب من قبل بغداد على الهجمات التركية، فيما تقول أنقرة إن الهجمات مبررة لضمان أمن البلاد طالما لا يوجد تحرك عراقي تطمئن له تركيا.
من ناحية أخرى هناك انزعاج إيراني من التمدد التركي في العراق، الذي تمتلك فيه النفوذ الأكبر في مقابل الولايات المتحدة وتركيا، ويظهر رد الفعل الإيراني على ذلك من خلال الهجمات النادرة خلال العام الأخير للمليشيات المدعومة من إيران، على النقاط والقواعد العسكرية التركية في العراق، بعد سنوات من اقتصار الهجوم على القواعد الأمريكية وقواعد التحالف الدولي.
أما عن ملف شح المياه الذي بدأ العراق يعاني من آثاره بشكل أكبر منذ عام 2018 مع تشغيل سد إليسو التركي على نهر دجلة، فلم تفلح مفاوضات حكومتي حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي مع تركيا في ضمان حصة عادلة من المياه للعراق، وكانت كل الوعود التركية بعدم المساس بأمن العراق المائي لا تعدو كونها تصريحات لإرضاء بغداد دون الوصول إلى توقيع بروتوكول رسمي يضمن تطبيقا عمليًا على أرض الواقع.
ورغم أن إيران تتشارك مع تركيا في إحداث أزمة شح المياة وفي التعدي على سيادة الأراضي العراقية من خلال قطع عشرات الأنهار عن العراق، وقصف ما تقول عنه أنه أهداف أمريكية وإسرائيلية واستهداف مقرات لمعارضين أكراد إيرانيين في إقليم كردستان، إلا أن رد الفعل على المستوى الشعبي والرسمي ضد إيران أقل بكثير منه تجاه تركيا، رغم كونه هو الآخر محدود، وذلك لأسباب أيدلوجية وسياسية طبقا لحجم النفوذ الإيراني في العراق مقارنة مع نفوذ تركيا، التي لم تسفر ضغوطها عن منح مقعد وزاري لـ التركمان في حكومة السوداني، وهو حلم يتجدد مع كل تشكيل حكومي، أملا في أن يكون لأنقرة نفوذ في العملية السياسية في العراق.
وينظر إلى التحرك العراقي الأخير خاصة فيما يتعلق بفتح قضية ضمان أمن الحدود ووقف الاعتداء التركي على السيادة العراقية، بأنه يأتي مدفوعًا برغبة إيرانية يمثلها في العراق حاليًا أحزاب الإطار التنسيقي التي جاءت برئيس الوزراء شياع السوداني والرئيس عبد اللطيف إلى المنصب بعد أشهر من الجمود السياسي، في ظل خلاف بين كتل الإطار التنسيقي من جهة وتحالف السنة والتيار الصدري من جهة أخرى.
حوار لا صِدام
الدكتور إحسان الشمري أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، ورئيس مركز التفكير السياسي في العراق، يقول إن رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني وبحكم خطواته وقراراته، يركز حاليا بشكل كبير جدا على إعادة ترميم الداخل العراقي أكثر ما يدفع باتجاه فتح جبهات خارجية.
ويضيف الشمري في تصريحات لـ جريدة زمان التركية، “نعم، هناك ملفات عدة مع إيران في موضوع المياه وفي موضوع الآبار النفطية المشتركة، وأيضا مع تركيا في قضية الأمن والمياه، لكن أتصور بأن السوداني سيعتمد على الحوار خصوصا وأن هناك عدد من الروابط التي تشجع والتي يمكن أن تكون قاعده لإطلاق حوار مثمر بين بغداد وأنقرة”.
وحول أزمة المياه يقول، رئيس مركز التفكير السياسي في العراق “بحكم أن العراق بحاجة إلى عقد اتفاقية مع تركيا في قضية المياه، أتصور أنه يمكن الذهاب إلى عقد هذه الاتفاقية سيما وأن هناك خطوات تركية اتخذت على مستوى مبعوث خاص للمياه، وعقد لجان فنية مشتركة، وهذا ما سيركز عليه السوداني في ملف المياه”. مع تركيا
وبخصوص العمليات العسكرية التركية في العراق، يقول الدكتور إحسان الشمري “الأمن قد يكون هو الملف المعقد والأكثر تشابكا -بين العراق وتركيا- وهو يرتبط بالداخل العراقي رغم كون مطاردة عناصر العمال الكردستاني قضية تركية بالنهاية، لكن بات هؤلاء يستخدمون من أطراف سياسية في الداخل كجزء من توازن القوى في العراق”.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، يؤكد أنه في النهاية الحكومة مقيدة بالنص الدستوري الذي لا يسمح باستخدام الأراضي العراقية كمنصة للاعتداء على الأمن القومي لدول الجوار، لذلك لابد أن تكون هناك ترتيبات واتفاقات لأن القصف المستمر يخل بالسيادة العراقية، لكن بمقابل ذلك على الحكومة العراقية أن تنهي هذا الملف من خلال تنسيق أمني عالي المستوى مع تركيا.
ويرى الدكتور إحسان الشمري، أنه: رغم أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني غير راغب في الدخول بقضايا خلافية مع أنقرة، وحتى مع دول الجوار، لكن لا أستبعد أن يضغط داعميه -كتل الإطار التنسيقي- عبر البرلمان ليكون هناك موقف ضد الحكومة التركية، فيما يرتبط بملف المياه وملف الأمن، خصوصًا وأنهم سبق وأن هددوا بالانتقام من التواجد العسكري التركي والقصف التركي، لذلك هذا الأمر قد يكون فرضية ضاغطة -على رئيس الوزراء-، كما عملية تدويل هذا الملف سبق وأن طرحته وزارة الخارجية العراقية.
–