(زمان التركية)ــ نشرت صحيفة بوليتكو الأمريكية، مقالًا حول الانتخابات التركية 2023، التي يتنافس فيها رجب طيب أردوغان الذي اعتاد على كسب أقوى منصب في البلاد طيلة 20 عامًا، مع زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو الذي يحمل إرث مصطفى كمال أتاتورك.
كتب المقال الكاتبة والصحفية التركية إلتشين بويرازلار، وجاء فيه:
إذا كان الموظفون المدنيون في أنقرة مقياسًا دقيقًا للجبهات المتغيرة في السياسة الوطنية التركية، فإن الزعيم الأطول خدمة في البلاد رجب طيب أردوغان قد يكون في مأزق في انتخابات مايو، حيث تصرح المعارضة الرئيسية والمتمثلة في حزب الشعب الجمهوري إن البيروقراطيين يرسلون بالفعل سيرهم الذاتية استعدادًا لنظام جديد، مستشعرين أن هذا قد يكون نهاية هيمنة أردوغان على الدولة لأكثر من عقدين.
الأمر الذي قد يكون مصدر ارتياح للكثيرين في الغرب الذين يشعرون بالإحباط بشكل متزايد من سياسة المواجهة الإسلامية الشعبوية في ثقل استراتيجي ثقيل يبلغ 85 مليون شخص، فعلى سبيل المثال في الأشهر الماضية زودت تركيا روسيا بهدوء بطرق التجارة السرية للتغلب على العقوبات، واستخدمت حق النقض(الفيتو) على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وجرت اليونان إلى سياسة عالية المخاطر من خلال تحليق طائرات مقاتلة فوق بحر إيجة ، وقد يكون سلوكهم هذا انعكاس واضح للتوتر المتزايد في أروقة السلطة، وبعد أسوأ زلزال منذ ما يقرب من قرن – بالإضافة إلى سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية – هناك توقع محموم للتغيير في البرلمان ومقر الحزب.
والحقيقة أنه لسنوات كان حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس ينضح بالثقة قبل الانتخابات – وهذا أمر له ما يبرره ففي تسلسل شبه متواصل فاز أردوغان في منافستين رئاسيتين وثلاثة استفتاءات لتعديل الدستور وخمسة انتخابات برلمانية، لكن الأمور اليوم مختلفة، فاليوم حتى أنصار الرئيس التركي يقرون أنه بعد أكثر من 20 عامًا في السلطة، تآكلت جاذبية أردوغان وعلى الرغم من فوزه في 2018 فمن المهم أن حزب الشعب الجمهوري فاز في انتخابات رئاسة البلدية الحاسمة في المدن الكبرى في أنقرة واسطنبول وإزمير في العام التالي.
وهو ما دعا عضو بارز في الإدارة: لأن يصرح بقوله “إنها 50-50 ،و الناس يشعرون أن التغيير قادم”، وبينما قد يكون الاقتراع في تركيا عملاً غامضًا حيث تجري الأطراف استطلاعات خاصة تؤدي غالبًا إلى نتائج مناسبة لحملاتهم الانتخابية،إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة تضع المعارضة في المقدمة بأكثر من 10 نقاط، على الرغم من أن فريق أردوغان يرى أنه سيظل في المقدمة مع حلول شهر مايو، ومع ذلك فقد صرح أحد كبار المطلعين في حزب العدالة والتنمية إنه في اجتماع رفيع المستوى عُقد بعد فترة وجيزة من الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير / شباط والذي قتل فيه أكثر من 50.000 شخص في تركيا، شعر العديد من مسؤولي الحزب بالقلق لدرجة أنهم دعوا إلى تأجيل الانتخابات، ليتم إبطالها من قبل أردوغان.
من جهة أخرى يرى منتقدو أردوغان أن انتخابات مايو، والتي ستختار البرلمان أيضًا هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ الديمقراطية التركية، وخوفهم هو أن أردوغان يضع عينه على التصويت كفرصة تاريخية – بالضبط بعد 100 عام من تأسيس الجمهورية العلمانية لـ مصطفى كمال أتاتورك – لتوجيه البلاد في اتجاه أكثر تحفظًا دينيًا، مع سلطات أكبر له وزمرته. و بينما يطلق المؤيدون على الرئيس البالغ طوله 1.85 مترًا لقب “الرجل الطويل” أطلق عليه خصومه لقب “الرجل الوحيد” بسبب تركيزه شبه الملكي لقوته الفردية.
لكن الداعمين والمؤيدين لحزب العدالة والتنمية يرون بأنه إذا فاز أردوغان فإنه سيسعى إلى وضع الدولة في خدمة الشعب – للمضي قدمًا في مشاريع الرفاهية والبناء الفخمة التي أكسبته الدعم.
والجدير بالذكر أنه صدرت أوامر للعديد من الشخصيات الحكومية والحزبية بالتزام الصمت في الفترة التي تسبق الانتخابات. وتحدثت إلى بوليتيكو بعض الشخصيات داخل الحزب بشرط عدم الكشف عن هويتهم، عن خطط أردوغان للانتخابات وبعدها، في الداخل والخارج.
وليس من المستغرب أن يكون هناك موضوع واحد هو المهيمن، وكما صرح أحد كبار المطلعين في حزب العدالة والتنمية: “من الآن فصاعدًا، الانتخابات تعني الزلزال” .
في إشارة إلى أن منتقدو أردوغان يهاجمونه بسبب طريقة تعامله مع الكارثة، كما تعرض حزبه لانتقادات على نطاق واسع لكونه قريبًا جدًا من شركات البناء الرديئة التي أدت مبانيها إلى زيادة عدد القتلى. و لطالما ألقى خصومه باللوم عليه على ما يقولون إنها سنوات من الاستبداد – كرئيس للوزراء بين عامي 2003 و 2014، وكرئيس منذ ذلك الحين – بينما تداعت المؤسسات وسُجن المعارضون السياسيون.
ومن طرفه فقد صرح كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري أول زعيم للحزب يزور منطقة الزلزال، بقوله إذا كان هناك أي شخص مسؤول عن هذه تداعيات هذه الكارثة فهو أردوغان، وقال في رسالة بالفيديو بعد يوم من الكارثة إن هذا الحزب الحاكم هو الذي لم يجهز البلاد لزلزال منذ 20 عاما.
ومع ذلك فإن أردوغان يصمم حملته بعناية وفقًا للمزاج الوطني، وعلى غير العادة بالنسبة له، وكما صرح سياسي مقرب من الرئيس إن الحملة الانتخابية ستكون “جادة وحازمة وموحدة” مع التركيز على أعمال الإغاثة والتعويض في المنطقة التي ضربها الزلزال، وأضاف أن أكثر من ثلثي نواب حزب العدالة والتنمية البالغ عددهم حوالي 300 توجهوا إلى المنطقة في الأسبوع الأول بعد الكارثة وأن أكثر من 100 نائب ينشطون في المنطقة في الوقت الحالي.
وكما يحرص أردوغان على الظهور بمظهر رجل الأعمال الناجح فهو يريد أيضًا أن يُنظر إليه على أنه يحرز تقدمًا في إعادة الإعمار قبل التصويت، خاصة مع وجود 1.5 مليون شخص بلا مأوى وهناك حاجة إلى ما لا يقل عن500.000 منزل جديد وفقًا للأمم المتحدة، وقد تعهد الرئيس باستكمال إعادة البناء في غضون عام، وكما أعلن وزير الشؤون الحضرية في أردوغان بالفعل بدء بناء 72 ألف منزل في كهرمان مرعش – مركز الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة – بينما بدأت حوالي 50 شركة، بعضها قريب من حزب العدالة والتنمية في التنافس على المناقصات لإعادة بناء المنطقة.
وقد قال شخص مقرب من أردوغان: “الأتراك يحبون الاستقرار والإدارة القوية” وهناك شعور بأن هذا لا يمكن أن يفعله إلا أردوغان، وأنه هو الوحيد الذي يمكنه بناء منازل في غضون عام “، وأكد مسؤول حكومي آخر قائلا : “إعادة البناء هو كل ما تدور حوله هذه الحكومة، هذا هو الشيء الذي يعرفون أنه أفضل للحملة الانتخابية “.
وصرح فخر الدين ألتون مدير الاتصالات أردوغان، لصحيفة بوليتيكو: “الأزمات التي مرت بها البشرية – مثل الوباء والحرب والتمويل ونقص الغذاء – أظهرت مرة أخرى أهمية القيادة السياسية القوية والمستقرة” . في إشارة إلى أهمية مركزية السلطة التي يتمتع بها الرئيس حيث يجادل الرئيس ومؤيديه أن أسلوبه القوي في القيادة هو بالتحديد السبب الذي يجعله مؤهلًا جيدًا لمواجهة مثل هذه الكوارث، وفي تسليط الضوء على النطاق الدولي لطموحات أردوغان، فقد أضاف ألتون أنه إذا فاز الرئيس بإعادة انتخابه، فلن تسعى الدولة فقط إلى العمل “كقوة إقليمية فاعلة ومستقرة” ولكن ستعمل كـ “فاعل عالمي قوي” مع السياسة الخارجية.
آلية الانتخابات
إن حجم الكارثة أصاب الملايين من الأتراك بصدمة وهذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم التحديات التي كان أردوغان يواجهها بالفعل هذا العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الصعوبات الاقتصادية في تركيا، مثل التضخم المتفشي والعجز التجاري القياسي، ويُنظر إلى أردوغان على اعتبار أنه اقتصادي غير التقليدي، لا سيما بعد قراراته بتخفيض أسعار الفائدة والتي كانت بمثابة صب الوقود على نيران ارتفاع الأسعار، وهكذا توحدت المعارضة المنقسمة في البلاد أخيرًا حول مرشح واحد كيليجدار أوغلو – الزعيم الذي خدم لفترة طويلة في حزب المعارضة العلماني الرئيسي، وهو رجل يتكلم بهدوء مثل أردوغان، والأهم من ذلك أن حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد لن يتقدم بمرشح مما يسمح بجبهة تصويت أكثر اتحادًا ضد أردوغان.
وعلى الرغم من أن المعارضة تشعر أنها لم تحصل على مثل هذا الزخم من قبل، إلا أن معسكر أردوغان يقول إن الاقتراع الخاص المكثف للرئيس يروي قصة مختلفة، ويضيفون أنه عندما يُسأل الناس عمن يعتقدون أنه سيفوز في الانتخابات، يقول أكثر من 50 بالمائة من أردوغان.
كما اعترف مسؤول في حزب الشعب الجمهوري بأن “أردوغان آلة انتخابية” وأضاف “نحن لا نأخذ الانتخابات كأمر مسلم به. . . نحتاج إلى معرفة كيفية تنظيم صناديق الاقتراع وقوائم الناخبين من منطقة الزلزال ” وفي الواقع فإن إجراء الانتخابات بعد فترة وجيزة من هذه الكارثة – وفي منطقة لا تزال خاضعة لحكم الطوارئ من قبل أردوغان – يشكل تحديًا لوجستيًا كبيرًا وتهديدًا محتملاً لمنافسة عادلة وشفافة، وربما لا يزال العدد الرسمي للقتلى أقل من آلاف القتلى، مع استمرار العمل الشاق والعنيف المتمثل في العثور على الجثث تحت الأنقاض ؛ ومن بين مئات الآلاف الذين أصبحوا بلا مأوى، فر الكثيرون إلى أماكن أخرى في البلاد، بينما حاول آخرون اللجوء إلى الخيام، هذه التقلبات تعتبر ميزة محتملة للرئيس.
ومن جانبها فقد تكهنت المعارضة بأن حكومة أردوغان يمكن أن تتلاعب بنحو 5 في المائة من الأصوات، لا سيما في مثل هذه الظروف المربكة – على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية رفض دائمًا بشدة مثل هذه التلميحات، وكما صرح باحث سياسي طلب عدم الكشف عن هويته: “أمن الاقتراع هو القضية الرئيسية”وأضاف إن “كيليجدار أوغلو لا يتنافس فقط ضد أردوغان ولكن أيضًا ضد أمن الدولة والقضاء والجهاز المالي الخاضع لسيطرته” .
الفاعل الإقليمي
تم رسم خطوط المعركة في الانتخابات بشكل واضح: أولا سوف يجادل أردوغان بأنه في وضع فريد لمساعدة تركيا في التغلب على الكارثة، بينما سيلقي خصومه باللوم على معظم مشاكل البلاد الحالية، وبالتالي إذا انتصر أردوغان فإن الأجندة المحلية تبدو واضحة أيضًا ،على الأقل في السنوات القليلة الأولى: حيث الإغاثة من الزلزال والمهمة الهائلة لإعادة البناء ستهيمن على عناوين الأخبار، حتى عندما يزعم منتقدو أردوغان أنه يستخدم سلطته على الدولة للحد من السياسة.
ومع ذلك بالنسبة لبقية العالم سيكون التركيز على السياسة الخارجية، لا سيما مع استمرار الحرب في أوكرانيا ولعب تركيا دورا استراتيجيا على سبيل المثال التوسط في صفقات الحبوب بين كييف وموسكو. وبينما تدور لحرب الأوكرانية فلازالت السويد تنتظر قول أردوغان حتى تتمكن من الانضمام إلى الناتو – وهي قضية صعبة بشكل خاص بالنسبة إلى ستوكهولم بسبب الخلافات مع أنقرة التي تتراوح ما بين القضايا الكردية إلى طلبات تسليم المجرمين وحرق القرآن خارج السفارة التركية.
ومن الواضح أنه بعد كل هذه السنوات من حكم أردوغان اعتادت تركيا على رفع ثقلها كلاعب مستقل على الرغم من عضويتها في الناتو، فهي أكثر بكثير من مجرد تابع لتحالف تقوده الولايات المتحدة، وكما صرح عاكف شاتاي كيليش الوزير السابق والرئيس الحالي للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، حيث يقول : “في غضون 20 عامًا، وصلنا بتركيا إلى نقطة حرجة” وأضاف قائلا ” هناك حقيقة مهمة وهي أن اليوم يتم السماع إلى رأينا في قضايا الشرق الأوسط وبحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط وروسيا الامر الذي يُظهر أن تركيا أصبحت في مركز الأحداث وليست متفرجا فقط ” وأضاف أن تركيا ستستمر كجهة فاعلة إقليمية مستقلة وصانع قرار بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فإن هذا هو جزء من إرث أردوغان.
إن الانتخابات تمثل لأردوغان قتالا محفوفا بالمخاطر والاحتمالات ربما تكون أكثر بقليل من رمي قطعة نقود، وعلى الرغم من تآكل مهارات أردوغان السياسية على مدى عقدين من الزمن في السلطة إلا أن آلة حزب العدالة والتنمية لا تزال ثابتة، وكما صرح أحد كبار المطلعين في حزب العدالة والتنمية: عندما سئل عن رأيه قال “إنه يراقب الوضع برمته بهدوء” ثم أضاف مقارنة دينية غير متوقعة مشبها فيها أردوغان بأنه “مثل الصخرة، تمامًا مثل القديس بطرس في روما.”
