بقلم: د. أيمن سلامة
خبير القانون الدولي
القاهرة (زمان التركية)- دوى انفجار هزّ أرجاء تل أبيب، ليس بفعل قصف من غزة هذه المرة، بل بصاروخ قادم من اليمن البعيد، مُعلناً عن فصل جديد ومقلق في الصراع الإقليمي.
سقوط الصاروخ على مطار بن جوريون، وشلّ الحركة الجوية، ودفع الملايين إلى الملاجئ، لم يكن مجرد حادث عابر، بل كان اختراقاً استراتيجياً يُعيد تقييم موازين القوى ويُلقي بظلال كثيفة على مستقبل المنطقة.
إن فشل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، التي لطالما اعتُبرت حصناً منيعاً، في اعتراض هذا التهديد القادم من مسافة بعيدة، يُثير تساؤلات جوهرية حول فاعلية هذه الأنظمة في مواجهة التكتيكات المتطورة التي تتبناها الأطراف غير الحكومية. هذا الإخفاق يُضعف الصورة الأمنية لإسرائيل ويُشعر مواطنيها بهشاشة لم يعهدوها من قبل، خاصة في ظل الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي المكثف.
على صعيد العمليات العسكرية، من المرجح أن يُعيد هذا الهجوم ترتيب أولويات إسرائيل. فبدلاً من التركيز الكامل على غزة، ستجد نفسها مُضطرة لتوجيه جزء كبير من جهودها الاستخباراتية والعسكرية نحو تحليل التهديد اليمني المتصاعد وكيفية التعامل معه. هذا التحول قد يُبطئ وتيرة العمليات في غزة أو يُغير من طبيعتها.
أما الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية على مواقع الحوثيين، فقد باتت في مهب الريح بعد هذا الاختراق النوعي. فإذا كان الحوثيون قادرين على تجاوز كل هذه الدفاعات وتوجيه ضربة مباشرة إلى قلب إسرائيل، فإن فاعلية الغارات الحالية تصبح موضع شك.
من الواضح أن الجماعة اليمنية تمتلك قدرات هجومية واستراتيجية تتجاوز التقديرات السابقة، مما يستدعي استراتيجية أكثر شمولية وتأثيراً.
الأثر النفسي على الإسرائيليين سيكون عميقاً. فبعد شهور من التوتر والقلق، يأتي هذا الهجوم ليُرسخ شعوراً بعدم الأمان ويهز الثقة في قدرة الحكومة على حمايتهم. إن صورة المطار الرئيسي للبلاد وهو مُغلق بسبب تهديد بعيد، ستُلقي بظلالها على الحياة اليومية وتزيد من الضغوط الداخلية على القيادة الإسرائيلية.
يبقى السؤال الأهم: لماذا أخفق الدفاع الجوي الإسرائيلي؟ من المحتمل أن يكون هناك مزيج من العوامل، بدءاً من التكتيكات التي استخدمها الصاروخ، مروراً بنقاط ضعف محتملة في أنظمة الرادار والاعتراض، وصولاً إلى ربما قصور في التنسيق بين الأنظمة المختلفة.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الفشل الاستخباراتي في تحديد بنك أهداف الحوثيين وقدراتهم الصاروخية والمسيرة بشكل دقيق. هذا الفشل يُشير إلى تحدٍ كبير يواجه أجهزة الاستخبارات في تتبع ورصد قدرات هذه الجماعات التي تعمل في بيئات معقدة وغير تقليدية.
في الختام، يُعد سقوط الصاروخ اليمني على تل أبيب بمثابة ناقوس خطر يُنذر بتصعيد إقليمي غير مسبوق. إنه يُعيد رسم خرائط الصراع، ويُبرز نقاط ضعف غير متوقعة، ويفرض على جميع الأطراف إعادة تقييم استراتيجياتها في مواجهة تهديدات تتجاوز الحدود والجغرافيا التقليدية. إن صفارات الإنذار التي دوت في تل أبيب لم تكن مجرد تحذير من خطر مباشر، بل كانت إعلاناً عن مرحلة جديدة أكثر تعقيداً وغموضاً في الشرق الأوسط.