أنقرة (زمان التركية) – حذرت تركيا من خطورة الهجمات الأمريكية على إيران، لكن لم يصدر منها إدانة بهذا الشأن، في الوقت الذي انتقدت فيه بعض الدول الإقليمية، وكذلك حلفاء طهران الرئيسيين، التوتر واصفة الهجمات بأنها “مقامرة محفوفة بالمخاطر”.
وفي خطاب متلفز في وقت متأخر من يوم السبت، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن واشنطن ضربت ثلاث منشآت نووية إيرانية في محاولة لتعطيل قدرة إيران على التخصيب النووي مفيدا أن الهجمات كانت إنجازا عسكريا مذهلا.
وزعم ترامب تدمير منشآت التخصيب النووي الرئيسية في إيران بالكامل مهددا بأن طهران إما أن” تصنع السلام “أو تواجه هجمات أكثر كثافة بقوله “إما أن يكون هناك سلام أو ستكون هناك مأساة أكبر بكثير لإيران مما شهدناه في الأيام الثمانية الماضية”
وبعد ساعات قليلة من وقوع الهجمات، حذرت وزارة الخارجية التركية من أن الهجمات تهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في البيئة الأمنية في المنطقة.
وذكرت الخارجية التركية في بيانها أن تركيا قلقة للغاية بشأن العواقب المحتملة للهجوم الأمريكي على المنشآت النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مشيرا إلى إمكانية أن تجلب التطورات الجارية الصراع الإقليمي إلى مستوى عالمي وأن تركيا لا ترغب في أن يصبح هذا السيناريو الكارثي حقيقة واقعة.
تتناقض هذه النغمة المحسوبة مع التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في اليوم السابق ووصف خلالها الهجمات الإسرائيلية التي استمرت أسابيع بأنها “قطع طرق”.
على الرغم من أن أنقرة عارضت منذ فترة طويلة حيازة إيران للأسلحة النووية فإنها دافعت باستمرار عن الحلول الدبلوماسية. وفي عام 2010 على وجه الخصوص، توسطت تركيا والبرازيل في اتفاقية مبادلة الوقود النووي من أجل الحد من التوتر.
من جانبه، ذكر مراد يشلتاش، الخبير الأمني في مركز أبحاث سيتا وعضو المجلس الرئاسي للعلاقات الخارجية، أن “البحث عن ما يسمى بالردع النووي، الذي يبرره قادة إيران على أنه دفاع ضروري، يُنظر إليه على أنه مقامرة خطيرة يمكن أن تؤدي إلى سباق تسلح إقليمي في تركيا”.
اعتبارات سياسة طويلة الأمد
وصفت أنقرة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على المنشآت الإيرانية بأنها غير مبررة وذلك على ضوء التقارير التي تفيد بأنه لا المخابرات الأمريكية ولا الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتقد أن طهران تسعى بنشاط للحصول على أسلحة نووية.
وهذا ما يفسر لماذا سارع المسؤولون الأتراك إلى إدانة الهجمات الإسرائيلية خاصة بعد الهجمات الإسرائيلية على غزة ولبنان وسوريا، التي يعتقدون أنها أدت إلى تصدع جديد في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى حرب أوسع.
أعلنت نور نيوز الحكومية الإيرانية نقلا عن وزارة الصحة الإيرانية أن ما لا يقل عن 430 شخص ُقتلوا وأصيب حوالي 3500 آخرين في الهجمات الإسرائيلية على إيران منذ 13 يونيو/حزيران الجاري.
وأفاد المسؤولون الإسرائيليون أن 25 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب المئات في الهجمات الإيرانية على إسرائيل.
وسعى أردوغان تهدئة الوضع وأجرى العديد من المكالمات الهاتفية مع القادة الرئيسيين، بما في ذلك الرئيس الإيراني، مسعود بزيشكيان، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
من خلال هذه المحادثات، وضع أردوغان نفسه كوسيط محتمل واقترح اسطنبول كمكان مضيف للمحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران.
وبدلا من إدانة ترامب بشدة، يبدو أردوغان على استعداد للحفاظ على علاقات جيدة مع الرئيس الأمريكي، الذي ساعد في السابق في إقناع السلطات الأمريكية برفع العقوبات المفروضة على إدارة الرئيس السوري أحمد شرع.
وأخبر المسؤولون الأتراك صحيفة ميدل إيست آي أن أردوغان تمكن من إقناع ترامب الأسبوع الماضي بإرسال نائبه جيه دي فانس والمبعوث الخاص لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى اسطنبول للقاء وفد إيراني برئاسة وزير الخارجية، عباس عراقجي. بل وأشار ترامب إلى إحتمالية مشاركته في اللقاءات بنفسه.
وذكر المسؤولون الأتراك قالوا إن الاجتماع لم يعقد نظرا لصعوبة الوصول إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، لاتخاذ قرار نهائي.
ويعكس البيان الأخير لوزارة الخارجية التركية رغبة أردوغان المستمرة في استضافة المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث شدد البيان على أن “المفاوضات هي الحل الوحيد للنزاع حول برنامج إيران النووي”.
وغالبا ما يسير أردوغان على خط رفيع في الصراعات الإقليمية ويتجنب الانحياز إلى أحد جوانب الصراع لوضع تركيا في موقع متميز وذلك على الرغم من خطابه الناري.
هذا وتعزز عضوية تركيا في الناتو وعلاقتها الوثيقة بواشنطن يدها في نظر كل من منافسيها وحلفائها بما يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية.
وذكر يشلتاش أن موقف تركيا من الصراع الإسرائيليا لإيراني لا يستند إلى اعتبارات سياسية قصيرة الأجل قائلا: “المخاطر ليست مجردة، فهذه المخاطر تشملالتهديدات المباشرة للأمن الإقليمي لتركيا وأمن الطاقة والأهداف الاقتصادية والاستقرار الديموغرافي”.