
بقلم: د. حامد محمود
رئيس وحدة دراسات إيران والخليج بمركز العرب للدراسات
القاهرة (زمان التركية)ــ تشهد منطقة الشرق الأوسط مؤشرات جديدة لتصعيد محفوف بالمخاطر، فمع انتهاء الحرب القصيرة والمكثفة بين إيران وإسرائيل، بدأت الأطراف كافة في تحليل مخرجات الصراع وتقييم مكاسبه وخسائره، وسط تضارب في الروايات بشأن فعالية الضربات العسكرية التي طالت منشآت نووية إيرانية. وبينما يروّج البيت الأبيض لانتصار نوعي في ضرب البنية التحتية النووية لطهران، تشكك تقارير استخباراتية وتسريبات إعلامية في حجم الدمار الحقيقي الذي خلفته تلك الهجمات.
الموقف الأميركي بين تأكيد ترامب ونفي الاستخبارات العسكرية
فيما يتعلق بالموقف الأميركي، يسوده قدر كبير من التضارب؛ إذ سارع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الرد على ما وصفها بـ”الادعاءات الكاذبة” التي نشرتها وسائل إعلام أميركية مثل “سي إن إن”، و”نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، والتي تحدثت عن تقييم استخباراتي أولي يشير إلى أن الضربات الأميركية لم تنجح في تدمير العناصر الأساسية من البرنامج النووي الإيراني.
وفي منشور على منصته “تروث سوشيال”، كتب ترامب: “شبكة (سي إن إن) للأخبار الكاذبة، بالتعاون مع صحيفة (نيويورك تايمز) الفاشلة، ضافرتا جهودهما لتشويه سمعة إحدى أنجح الضربات العسكرية في التاريخ. المواقع النووية في إيران دُمرت بالكامل”.
وأضافت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن ما ورد في تلك التقارير “خاطئ تماماً”، ووصفت التسريب بأنه “محاولة واضحة لتشويه سمعة الرئيس ترامب والطيارين الشجعان الذين نفذوا المهمة”.
خلافات حادة في واشنطن بعد تسريب تقييم الضربات على منشآت إيران النووية
في تصعيد جديد للأزمة النووية بين إيران والولايات المتحدة، فجّرت تسريبات استخباراتية خلافات حادة داخل الأوساط السياسية والأمنية في واشنطن، بلغت حدّ توجيه اتهامات بـ”الخيانة” على خلفية الكشف عن تقييمات سرّية بشأن آثار الضربات الأميركية الأخيرة على منشآت نووية إيرانية.
ووفقًا لما نشرته شبكة “NBC”، فقد أُحيل إلى الكونغرس الأميركي تقرير استخباراتي سرّي استعرض نتائج الهجوم، وأكد أن الضربات الجوية الأميركية أخّرت البرنامج النووي الإيراني لعدة أشهر، لكنها لم تُعطِّله بالكامل. وقد اطّلع أعضاء في مجلس الشيوخ على التقرير خلف أبواب مغلقة، وجاء متناقضًا مع التصريحات الرسمية للرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اللذين أكدا أن البرنامج “دُمّر كلياً”.
من جانبها، أفادت وكالة “أسوشيتد برس” أن تقريرًا لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية كشف أن الضربات التي استهدفت منشآت نطنز وفوردو وأصفهان ألحقت أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية، لكنها لم تُحدث دمارًا شاملاً. وأشار التقرير إلى أن كميات من اليورانيوم عالي التخصيب نُقلت قبل الهجوم، وأن الجزء الأكبر من أجهزة الطرد المركزي ظل سليمًا.
وأوضح التقرير أن منشأة فوردو، الواقعة داخل جبل وعلى عمق يزيد عن 80 مترًا، تعرضت لتدمير جزئي في مداخلها وبعض بنيتها التحتية، فيما لم يُصَب الهيكل الداخلي بأضرار جسيمة. وكانت الوكالة الدولية قد نبّهت سابقًا إلى صعوبة تدمير منشأة فوردو بضربة جوية تقليدية نظرًا لتحصينها العالي.
وقد فجّر هذا التباين في التقديرات موجة انتقادات داخلية، أبرزها من السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، الذي أعرب لموقع “أكسيوس” عن “قلق بالغ من تلاعب الرئيس ترامب بالمعلومات الاستخباراتية”. بدوره، صعّد المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لهجته، متهمًا مُسرّب المعلومات بـ”الخيانة”، مطالبًا بمحاكمته.
في المقابل، وصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو التقارير الاستخباراتية بأنها “كاذبة”، مؤكدًا في تصريحات لمجلة “بوليتيكو” أن إيران أصبحت “أبعد من أي وقت مضى عن حيازة سلاح نووي” بعد الضربة الأخيرة. كما رفض البيت الأبيض بشدة تقرير وكالة استخبارات الدفاع، واعتبره “خاطئًا تمامًا”، وقالت ليفيت إن “تسريب هذه المعلومات يهدف إلى تقويض الرئيس ترامب والتقليل من نجاح العملية العسكرية الدقيقة”.
وأكدت ليفيت أن الضربة استخدمت 14 قنبلة بوزن 30 ألف رطل لكل منها، مما يعني، على حد تعبيرها، “دمارًا شاملاً”، فيما شدد ترامب مرارًا على أن “منشآت فوردو ونطنز وأصفهان قد دُمّرت بالكامل، ولن تتمكن إيران من إعادة بنائها”. وهو ما أكده نتنياهو في خطاب متلفز قال فيه: “وعدتكم لعقود بأن إيران لن تملك سلاحًا نوويًا، وقد أوفينا بالوعد ودمرنا البرنامج”.
في التحليل النهائي
يمكن القول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه أرادوا تحقيق مكاسب سياسية داخلية، وفي سبيل ذلك رفعوا سقف التوقعات، وصولًا إلى تأكيدات من وكالات تابعة للإدارة الأميركية بأن ضررًا كبيرًا يتجاوز 80 إلى 90 بالمئة قد أصاب البرنامج النووي الإيراني. لكن كل التقديرات تشير إلى أن إيران نقلت، في أوائل يونيو الجاري، أجهزة طرد مركزي من مفاعل فوردو بشكل خاص، وكذلك من مفاعلي أصفهان ونطنز، فضلًا عن نقل نحو 400 كجم من الوقود النووي المخصب، وهي كمية تكفي لصنع ما بين 10 إلى 12 قنبلة نووية.