بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية)ــ لا يفتأ العصر الحديث يخرج علينا بالجديد والمثير كل فترة، بحيث يُحيِّرنا ويُشعل فكرنا وتساؤلاتنا الكثيرة لفترات تطول أو تقصر بحسب الحال. الإهانة والسخرية من الآخرين ليستا بشيء جديد، ولكن صدور الإهانة والسخرية عن شخصيات ذات مكانة اجتماعية رفيعة ليس بمعتاد، خصوصًا وهم في مقاعد الحكم.
وتوجيه بعض الشخصيات الهامّة – من السياسيين ورجال الأعمال – الإهانة أو السخرية إلى غيرهم من الشخصيات ذات المكانة الرفيعة في مجتمعاتهم أو في دول أخرى، ناهيك عن كونهم قادة في مقاعد الحكم في بلادهم، بشكل علني هو أمر جديد.
إن خروج بعض المسؤولين الكبار في الدول والشخصيات المعروفة عن أسس الاحترام المتبادل لرموز الدول الأخرى، ووصفهم بأوصاف قد تحطّ من قدرهم وتسيء إليهم وإلى شعوبهم، يتصاعد بشكل غير حميد، الأمر الذي قد يُنذر بالشرور وقد يصبح سببًا في أحداث جسيمة.
والأمثلة على هذه التجاوزات كثيرة، ومنها توجيه رجل الأعمال الثري إيلون ماسك خطاب سخرية مكتوبًا وعلى صفحات التواصل الاجتماعي إلى جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا الأسبق، بمناسبة طرح الرئيس ترامب لفكرة: “تحويل كندا إلى مجرد ولاية أمريكية إضافية لكونها تتلقى الكثير من الدعم الأمريكي”.
وكذلك توجيه إيلون ماسك نوعًا من السخرية المكتوبة إلى المستشار الألماني السابق أولاف شولتس على صفحات التواصل الاجتماعي، بمناسبة حديث الرئيس ترامب عن “دفاع أوروبا عن نفسها وتحملها فاتورة الدفاع عن نفسها”.
ومن الأمثلة الحديثة للإهانة والسخرية الصادرة عن قادة، إشارة الرئيس ترامب إلى المرشد الأعلى في إيران بقوله: “ما يسمونه القيادة العليا”.
لقد سمعنا – في قصص التاريخ وحكاياته الشيقة التي تُصدَّق أو لا تُصدَّق – عن ملوك وقادة وجَّهوا الإهانات الصريحة إلى قادة وزعماء دول أخرى، ولكن في إطار الحروب والمواجهات العصيبة، كالمطالبة بالاستسلام وتسليم البلاد ودفع الجزية أو الضرائب الدورية.
ولكننا لم نسمع عن أحد دون الملك أو الأمير، مثلًا، يصدر الإهانة أو السخرية إلى قادة البلاد الأخرى، كما لو كان شريكًا في مقعد الحكم.
وعلى العالم أن يسأل نفسه: ماذا حدث للناس؟ وماذا حدث للقادة حتى يخرجوا على الناس بتعبيرات أكثر من جريئة، وتمثل تجاوزات ربما يعتبرها الكثيرون إهانة وحطًّا من قدرهم لا يمكن قبوله في حقهم وفي حق شعوبهم التي يمثلونها؟
لماذا يخرج العالم الراقي عاري العورة أمام الكاميرات وأمام الناس في كل مكان، بينما العالم يستقي كل الأدب وكل الذوق وكل خطوط الموضة الأكثر مبيعًا من هذا العالم الأول الراقي؟
إن الغنى والثراء المادي يُغريان بالجرأة على الناس، ولكن الحصيف مَن يتذكّر أنّ الأيام دُوَل، وأنّ طيب العِشرة من عناصر الثراء.