أنقرة (زمان التركية) – انطلقت المناورات العسكرية واسعة النطاق بين روسيا وبيلاروسيا، تحت اسم “Zapad 2025″، يوم الجمعة ومن المتوقع أن تستمر حتى يوم الثلاثاء المقبل، فيما يشير إلى تصاعد التوتر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) على جناحه الشرقي.
وكانت التوترات قد تصاعدت في منتصف الأسبوع الماضي بعد انتهاكات طائرات مسيرة روسية للمجال الجوي البولندي، وإسقاط بعضها في عملية مشتركة مع الناتو، مما زاد من مخاوف امتداد الحرب الأوكرانية إلى دول أوروبية أخرى. وكان قد أُعلن أن الطائرات المسيرة الروسية دخلت المجال الجوي البولندي من الحدود مع بيلاروسيا.
لهذا السبب، وضعت هذه المناورات، التي بدأت اليوم وستُجرى بشكل رئيسي على الأراضي البيلاروسية، حلف الناتو، وخاصة الدول المتاخمة لبيلاروسيا، في حالة تأهب قصوى.
السبب الأهم لهذا التأهب هو أن آخر مرة أجرت فيها روسيا وبيلاروسيا مناورات “Zapad” كانت في عام 2021. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، توصلت التحليلات إلى أن تلك المناورات التي جرت قبل عام واحد فقط كانت في الواقع تحضيراً للهجوم. ويعود ذلك إلى أن روسيا شنت هجومها على أوكرانيا في 24 فبراير 2022 من الشمال الغربي، أي من بيلاروسيا، ومن نفس المناطق التي جرت فيها المناورات العسكرية.
ولهذا السبب، تم وضع جيوش دول الناتو المتاخمة لبيلاروسيا، وهي لاتفيا وليتوانيا وبولندا، في حالة تأهب قصوى اعتباراً من اليوم. كما أعلنت أوكرانيا أنها تراقب التطورات عن كثب.
من جهتها، كانت بيلاروسيا قد أعلنت أنها وجهت دعوات رسمية لجميع الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، بالإضافة إلى تسع دول لديها ملحقون عسكريون من الناتو في مينسك، لمراقبة المناورات.
ماذا نعرف عن المناورات؟
أعلنت السلطات البيلاروسية أن عدد الجنود المشاركين في المناورات يبلغ حوالي 13 ألف جندي، بينما لم تقدم روسيا أي رقم رسمي. لكن التقديرات في العواصم الغربية، بما في ذلك الجيش الألماني (البوندسفير)، تشير إلى أن ما لا يقل عن 30 ألف جندي سيشاركون في المناورات.
كما أعلنت مصادر روسية أن جنوداً من “دول شريكة أخرى” لروسيا سيشاركون في المناورات، دون الإعلان رسمياً عن أسماء تلك الدول.
وصرحت وزارة الدفاع الروسية اليوم بأن المناورات التي وصفتها بـ “الاستراتيجية” لن تُجرى على أراضي بيلاروسيا وروسيا فقط، بل ستشمل أيضاً بحر البلطيق وبحر بارنتس، حيث سيتم إرسال سفن حربية إلى تلك المناطق.
وأوضح البيان أن المناورات ستحاكي صد هجوم محتمل ضد روسيا وبيلاروسيا، وأن المرحلة الثانية منها ستتضمن “سحق العدو بمشاركة قوات تحالف من الدول الصديقة، وإعادة السيطرة على الأراضي”. كما نشرت الوزارة مقطع فيديو يظهر مشاركة معدات عسكرية ثقيلة، بما في ذلك مركبات مدرعة، وطائرات هليكوبتر، وسفن حربية. وأُعلن أيضاً أن المناورات ستشمل استطلاعات جوية وهجمات صاروخية على أهداف برية.
هل تهدد روسيا الغرب بصاروخ “أورِشنيك”؟
تتجه الأنظار في العواصم الأوروبية بشكل خاص إلى الخطوات التي قد تُتخذ خلال المناورات بخصوص نشر صاروخ “أورِشنيك” (Oreshnik) القادر على حمل رؤوس نووية في بيلاروسيا.
وكان الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، قد سمح لروسيا بنشر بعض أسلحتها النووية التكتيكية في بلاده.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع لوكاشينكو في أوائل أغسطس، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الصاروخ الفرط صوتي الجديد “أورِشنيك” القادر على حمل رؤوس نووية يمكن نشره في بيلاروسيا في النصف الثاني من العام. وقال بوتين إن الصواريخ ستبقى تحت السيطرة الروسية، لكن موسكو ستسمح لمينسك باختيار الأهداف.
وكان وزير الدفاع البيلاروسي، فيكتور خرينين، قد أشار قبل أسابيع إلى أن “التخطيط لاستخدام” صاروخ “أورِشنيك” سيتم بحثه خلال مناورات “Zapad”.
لا يزال غير واضح ما إذا كان التخطيط لاستخدام الصاروخ الباليستي متوسط المدى خلال المناورات التي بدأت اليوم سيكون محاكاة فقط أم اختباراً بذخيرة حقيقية.
في ديسمبر الماضي، قدمت روسيا ضمانات أمنية لبيلاروسيا من خلال اتفاقية تتضمن ضمانات مختلفة، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية الروسية لصد أي هجوم.
ويصف بعض المراقبين السياسيين الغربيين هذه المناورات الروسية بأنها “مناورات تعبئة سرية” تُجرى تحضيراً لهجوم محتمل على دول أوروبية أخرى.
من جانبه، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، يوم أمس إن المناورات على الحدود مع بولندا “لا تستهدف أي دولة”. وشدد بيسكوف على أن المناورات تهدف إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي بين روسيا وبيلاروسيا، مؤكداً: “أكرر: كل هذه الإجراءات لا تستهدف أي دولة ثالثة.”
لكن العديد من العواصم الأوروبية، وفي مقدمتها وارسو، لا تثق في روسيا. فقد أغلقت بولندا المعابر الحدودية والمجال الجوي القريب من الحدود مع بيلاروسيا طوال فترة مناورات “Zapad”.
ويقول رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، إن المناورات التي وصفها بـ “العدوانية جداً” تهدف إلى “محاكاة احتلال ممر سوالكي الذي يمتد على طول الحدود بين بولندا وليتوانيا”.
في المقابل، أعلنت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا عن إرسال طائرات مقاتلة إضافية لتعزيز حماية المجال الجوي البولندي. كما يرد الناتو على التحركات الروسية بمناورات خاصة به.
تستضيف بولندا مناورات “المدافع الحديدي-25” (Iron Defender-25) التي يشارك فيها حوالي 30 ألف جندي من الدول الحليفة. وتتواصل في ليتوانيا مناورات “الضربة الرعدية” (Thunder Strike) بمشاركة حوالي 17 ألف جندي من ليتوانيا ودول أخرى في الناتو.
وتجري مناورات أخرى هامة في بحر البلطيق بقيادة ألمانيا. وصرح رئيس أركان الجيش الألماني، كارستن بروير، اليوم أن هذه المناورات، التي تحمل اسم “كوادريغا 2025″، تتضمن سيناريوهات دعم لوجستي واقعية للقوات في حالة نشوب صراع محتمل، مشيراً إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تُجرى فيها مناورات بهذا الحجم.
وأكد بروير أن ألمانيا عازمة على حماية حلفائها في الجناح الشرقي للناتو، قائلاً: “إن انتهاك روسيا للمجال الجوي البولندي أظهر مرة أخرى مدى أهمية التزامنا. مساهمتنا في الدفاع عن الجناح الشرقي للناتو جديرة بالثقة. ونحن مستعدون لحماية كل شبر من أراضي الحلف.”
إن الحراك العسكري المتزايد من كلا الجانبين، وكونه يحدث على مسافات قريبة من بعضها البعض، يزيد من المخاوف من تكرار التوترات التي شهدتها بولندا خلال الأسبوع الماضي بسبب انتهاكات الطائرات المسيرة الروسية.