أنقرة (زمان التركية) – سيكتسب نضال فلسطين من أجل الاستقلال زخما كبيرا مع اعتراف بعض الدول المهمة بدولة فلسطين، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وكندا، قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وسيكون الاعتراف بالدول الثلاثة الأعضاء في مجموعة السبع والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بجانب أستراليا والبرتغال وبلجيكا ودول أخرى نقطة تحول رمزية للقضية الفلسطينية.
تعزز قرارات الاعتراف الشرعية الفلسطينية، كما يُنظر إليها كوسيلة لزيادة الضغط الدولي على إسرائيل وإيقاف توسيع المستوطنات واستئناف المفاوضات، غير أن الوضع الحالي على الأرض يجعل من المستحيل تنفيذ حل الدولتين، الذي يتضمن وجود دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانب إسرائيل.
ويرى العديد من المحليين والناشطين أن سبب هذا يرجع إلى سياسات إسرائيل المستمرة منذ عقود، التي تهدف إلى تقويض حل الدولتين من خلال بناء مستوطنات يهودية في الأراضي الفلسطينية وإضعاف السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من فلسطين.
حل الدولتين
كانت القضية الفلسطينية واحدة من أهم أجندات هذا العام في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن مفهوم “الاعتراف” نوقش بالفعل في السياسة الدولية لفترة طويلة.
أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية فلسطين دولة مستقلة في عام 1988 واعترفت بها العديد من البلدان. وفي عام 2012، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين منصب “دولة مراقبة غير عضو”. وسمح هذا الوضع لفلسطين بالمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة باعتبارها “دولة”.
قبل قرارات الاعتراف التي سيتم الإعلان عنها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت 147 دولة من أصل 198 دولة عضو في الجمعية العامة قد اعترفت بالفعل بفلسطين كدولة. وتعكس قرارات الاعتراف هذا العام تغيير سياسة الغرب على وجه الخصوص.
وشهدت الجمعية العمومية اعتماد مشروع قانون “إعلان نيويورك بشأن الحل السلمي للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين”، حيث تم تمرير مشروع القانون، الذي قدمته فرنسا والمملكة العربية السعودية، بموافقة 142 دولة ورفض 10 دول وامتناع 12 دولة عن التصويت.
يقوم “حل الدولتين” على إقامة دولة فلسطينية ذات حدود آمنة ومعترف بها جنبا لجنب مع إسرائيل.
ويطالب الفلسطينيون بدولة تضم الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، التي استولت عليها إسرائيل واحتلتها في حرب عام 1967، غير أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعارض قيام دولة فلسطينية ذات سيادة.
نتنياهو أكسب الأفكار المتطرفة مركزية
اتخذت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي يُنظر إليها على أنها أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، موقفا صريحا وقاسيا ضد قيام دولة فلسطينية. وأصبحت الأفكار التي تم التعبير عنها سابقا في الدوائر اليمينية المتطرفة في السياسة الإسرائيلية، مركزية الآن، حيث يدافع الوزراء علنا عن ضم الضفة الغربية المحتلة ونفي الفلسطينيين في غزة.
أوضح وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، في وقت سابق من هذا العام أن الموافقة على آلاف المساكن اليهودية الجديدة “ستدفن قيام دولة فلسطين بشكل دائم لأنه لن يتبقى شيء أو شخص للاعتراف به”.
أثار هذا التوجه القلق في الدوائر التي تدعو إلى حل الدولتين. ورأت جولي نورمان، من جامعة لندن (UCL)، اعتراف المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا بفلسطين كرد فعل على هذه التطورات، كما دعت لجنة برلمانية مؤثرة في المملكة المتحدة الحكومة إلى الاعتراف رسميًا بفلسطين “بينما لا يزال هناك دولة يمكن الاعتراف بها”.
انتشار المستوطنات
بحسب للأمم المتحدة، تشكل القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية، لكن إسرائيل ضمت القدس الشرقية، وحولت عقود من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية الأراضي الفلسطينية إلى جيوب منفصلة. واليوم، يعيش أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي في القدس الشرقية والضفة الغربية.
وافقت حكومة نتنياهو على مستوطنات جديدة، بما في ذلك مشروع E1 المثير للجدل والذي سيقسم الضفة الغربية إلى قسمين. وقال سموتريتش وهو يعلن عن المشروع: “إن الدولة الفلسطينية تمحى من الطاولة ليس بالشعارات بل بالأفعال”.
في حديثه إلى شبكة سي إن إن الدولية، وصف ليور أميهاي، مدير منظمة السلام الآن، الوضع على الأرض بأنه “أسوأ من أي وقت مضى” مشيرا إلى إنشاء مراكز شرطة جديدة كل أسبوع وأن الضم الفعلي مستمر.
وشدد أميهاي على أن عنف المستوطنين يستهدف النساء والأطفال والمسنين وغالبا ما يفلت من العقاب بدعم من قوات الأمن الإسرائيلية، حيث تعكس بيانات الأمم المتحدة مقتل ما يقرب من 1000 فلسطيني في الضفة الغربية منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023.
من ناحية أخرى، دمُّرت غزة إلى حد كبير بسبب القصف الإسرائيلي والعملية البرية، التي تقترب من عامين. وذكر قائد عسكري إسرائيلي سابق أن واحد من كل 10 أشخاص في غزة ما بين قتيل أو جريح ليصل العدد الإجمالي إلى أكثر من 200000 شخص.
تتهم العديد من المؤسسات الدولية والخبراء إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية في غزة.
الجدل الأمني
انتقدت الولايات المتحدة وإسرائيل خطط بريطانيا ودول أخرى للاعتراف بفلسطين بحجة أن هذا “مكافأة للإرهاب”، لكن هذا الموقف يترك الولايات المتحدة وإسرائيل معزولين بشكل متزايد على الصعيد الدولي نظرا لكون الدول التي ستعترف بها ستنضم إلى أكثر من 140 دولة اعترفت بالفعل بفلسطين.
وأشار الدبلوماسي الأمريكي السابق إليوت أبرامز إلى أن هذه القرارات اتخذت تحت ضغط من الأحزاب اليسارية والناخبين المسلمين ولن تحقق أي فائدة ملموسة للفلسطينيين. وأكد أبرامز أنه لم يعد بإمكان إسرائيل السماح بدولة فلسطينية مستقلة بأي شكل من الأشكال لأسباب أمنية.
يجادل نورمان وأميحاي بالعكس مؤكدين أن هناك حاجة إلى دولة فلسطينية مستقلة لأمن إسرائيل.
وفقا للخبراء، على الرغم من أن الحقائق على الأرض تجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الوقت الحالي فإن قرار الاعتراف ببريطانيا وفرنسا وغيرها له عواقب قانونية تتجاوز الرمزية.
وذكر أردي إمسيس، أستاذ القانون الدولي، أن هذه الخطوة تضع الدول المعترف بها تحت الالتزام بحماية السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لفلسطين.
يمكن للدول الأوروبية أيضًا ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل، فالاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل. وطُرح فرض عقوبات جارية قد تظهر في المقدمة ضد خطوات المستوطنات الجديدة.
ويقول الخبراء إن الاعتراف يضع المزيد من المسؤولية على عاتق السلطة الفلسطينية، حيث تجلب حالة الدولة معها الالتزام “بالتصرف بشكل مختلف”. وسيتعين على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في نهاية المطاف تقديم تنازلات، وفقًا ليوسي ميكيلبرغ من تشاتام هاوس.