بقلم: دانيا حنفي
القاهرة (زمان التركية) ــ العالم يبتكر كل يوم أسلحة جديدة أشد فتكًا مما أُنتِج بالأمس، وأكثر عددًا، وأبعد مسافة، وأطول تأثيرًا، وهذا أمر مثير للعجب حقًّا. فمن أين يأتي الناس بكل هذه الأفكار القاتلة، وكل هذه القدرات القتالية الهائلة: من الرصاص ــ بأشكاله وأحجامه المختلفة الكثيرة المفزعة ــ إلى الكيماويات، إلى الطاقة الذرية؟ وفي الوقت نفسه، يعاني العالم من المجاعة ويعاني من الأمراض، بينما الإنسان هو نفسه عاجز وقليل الحيلة أمام الطلب المتزايد على الغذاء، وأكثر عجزًا عن تلبية الطلب على الدواء الذي يرتفع سعره كل يوم ويقل وجوده.
وهذا العالم نفسه لا يستطيع تلبية حاجة الناس إلى السكن الملائم، فيبيتون في العراء وفي قلب الخطر المحدق، ويموتون عُراة جائعين مرضى، لا يتبعهم ولا يشيّعهم سوى تعبيرات الأسف لقلة الإمكانات وضعف الموارد وتأخر المعرفة. والإنسان ــ نفس الإنسان ــ يسارع إلى المواجهة ويسارع إلى التهديد بالحرب والقتل، من دون أن يُعالج آثار القتل والحروب السابقة في بيته.
إن أحلام الإنسان في الثراء والسيطرة لا نهاية لها ــ على ما يبدو ــ حتى لو توفرت له إمكانات كبيرة. فالإنسان لا يريد السيطرة على مقدراته وظروفه فقط، ولا يريد الاكتفاء والثراء فحسب، بل يسعى كذلك إلى السيطرة على حياة الآخرين، ويفرض عليهم ما يشاء، ويمنحهم الحياة، ويبقي على بقائهم حتى الممات، حتى لا يحاسبه أحد في حياته. فلا مكان للملائكة على الأرض، وإنما هناك بشر وشياطين تختلط وجوههم كثيرًا، حتى لا يكاد المرء يميّزها في زحمة الحياة.
وفي سبيل أحلام الشياطين لا توجد إلا الطرق التي تقود إلى مزيد من الأموال وإلى تعاظم الثروات لدى عائلات تحترف الثراء وليست فقط ثرية. وما تبقى قصص متنوعة من الأحداث البشرية الهائلة في مختلف بقاع الأرض وبين مختلف الشعوب والدول. فالاستمرارية هدف في الوجود، وطباع البشر لا تتغير، والناس يزدادون عددًا، والنزاعات هي ذاتها النزاعات القديمة. والحروب تؤدي وظيفتها السوداء في إثراء الأثرياء الطامعين في المزيد، وإثراء الحالمين بالثراء الفاحش لأول مرة. ولا يوجد أسهل ولا أسرع من الحروب في تفجير آبار الأموال المتدفقة بلا حساب. ففي ساعة الحرب لا أحد يُحاسب، ولا توجد تحقيقات أو محاكمات، وإنما فقط ويلات وخسائر بشرية ومادية، ونيران ودمار، ووجوه يكسوها الخوف والحزن، وحسابات بنكية تزداد امتلاءً بالمال والذهب.
الحروب حلول بالغة الصعوبة في لحظة ما، لتحقيق تفاهمات يستحيل إنجازها بالطرق السلمية، من أجل التوصل إلى حقوق لا يمكن إهدارها. لكن الأفضل تجنب الحروب، فنتائجها تقود في النهاية إلى الوقوع فيما أُقيمت لتفاديه أصلًا، وهو السقوط في المشكلات والتوتر والاضطراب والضغوط داخليًّا وخارجيًّا، بدلًا من تعزيز الأخوّة والتسامح وطيب الجوار. وقد فشلت الحروب في فتح الطريق لمسارات العمل، وجهود البحث والتعلم، وتوفير الوظائف والإنتاج، وتحقيق التقدم والرفاهية الإنسانية. ولذلك، فإن إعلان الحرب صورة من صور الفشل الإنساني الذي ينبغي تجنبه بكل السبل.