القاهرة (زمان التركية)ـــ لأول مرة منذ اكتشافهما عام 1954، يتم عرض قاربي الملك خوفو، أقدم وأكبر قاربين خشبيين تم اكتشافهما على الإطلاق، تحت سقف واحد في متحف قاربي خوفو بالمتحف المصري الكبير، مما يوفر للزائرين لقاءً حيًا مع مصر القديمة.
يضم متحف قوارب خوفو معرضًا مصممًا خصيصًا، ويُعد من أبرز التجارب الرائدة في المتحف المصري الكبير. يعرض المتحف قوارب جنائزية تعود لملك المملكة القديمة، خوفو، عمرها 4500 عام، بُنيت لحمله في رحلته الأبدية مع إله الشمس رع.
يُعرض القارب الأول، الذي رُمم بالكامل بعد نقله من هضبة الجيزة، بتفاصيل دقيقة. أما القارب الثاني، الذي رُمم ونُقل إلى المتحف المصري الكبير خلال السنوات القليلة الماضية، فسيتم إعادة تجميعه لوحًا تلو الآخر أمام أعين الجمهور، مما يتيح للزوار مشاهدة عملية ترميم أثرية حية لأول مرة.
وأوضح عيسى زيدان، مدير الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير، أن قصة متحف مركب خوفو تبدأ في المنطقة المفتوحة خارج المبنى الرئيسي للمتحف بمناظر طبيعية أعيد تصورها لنهر النيل مع تمثال للآلهة ونسخة طبق الأصل من حفرة المركب الأصلية، مما يمهد الطريق لقصة تمزج بين الأساطير والهندسة والعلوم الحديثة.
يُهيئ هذا العرض الخارجي الزوار للقصة القادمة من خلال محاكاة تُوضح جريان النيل وعلاقته الرمزية بالقوارب الجنائزية في المعتقدات المصرية القديمة. في الوسط، يقف تمثال لإله النيل حابي، مُقامًا بجانب مجرى مائي يُمثل النهر، مُحاطًا بعشرة تماثيل للإلهة سخمت كحامية.
تتميز هذه المنطقة أيضًا بنسخة طبق الأصل بالحجم الطبيعي لإحدى حفر القوارب الأصلية، تتميز بدقة أبعادها وتصميمها. إلى جانبها، توجد 18 كتلة حجرية أصلية من الحجر الجيري كانت تُغلق الحفر سابقًا، محفورة عليها نقوش أصلية، ورسومات جرافيتي من أعمال البنائين القدماء، وقياسات حجرية، وخراطيش الملكين خوفو وجدف رع، مما يُتيح للزوار فهمًا واقعيًا لموقع الاكتشاف.
يقول زيدان: “داخل المتحف، يتكشف المعرض كرحلة عبر الزمن. يتعرف الزوار أولاً على الأهمية الروحية والملموسة لنهر النيل في الحياة والديانة المصرية القديمة”. ثم يتتبع المعرض تاريخ هضبة الجيزة ودور مراكب خوفو، ليس كممتلكات ملكية فحسب، بل كأوعية مقدسة لنقل الملك عبر السماوات كل ليلة إلى الحياة الآخرة.
وتعرض شاشات تفاعلية تفاصيل الاكتشاف الدرامي لأول قارب بجوار الهرم الأكبر خوفو، حيث تم دفنه سليماً في حفرة من الحجر الجيري ومختوماً منذ العصور القديمة.
يبلغ طوله أكثر من 42 مترًا، وهو أكبر وأقدم قطعة أثرية خشبية باقية في العالم. وفي الجوار، تكشف المختبرات ذات الجدران الزجاجية عن مشهد استثنائي آخر: عملية الترميم المباشر لمركب خوفو الثاني. أكثر من 1600 قطعة خشبية ومعدنية هشة، مُستخرجة من حفرة ثانية، تخضع بعناية فائقة للترميم وإعادة التجميع من قِبل خبراء مصريين ويابانيين، بينما يشاهدها الزوار من منصة المشاهدة، مما يجعل عملية الحفظ عرضًا أثريًا عامًا.
وتستمر القصة مع التنقيب عن القارب الثاني وحفظه، كما تقدم أيضًا رؤى تفصيلية عن الملك خوفو، باني الهرم الأكبر، والمهندسين وراء بنائه، والعمال الذين ساعدوا في بناء هذا المجمع الجنائزي الضخم.
وقال زيدان إن مركب خوفو الثاني ظل دون مساس لعقود من الزمن بعد اكتشافه عام 1954 إلى جانب المركب الأول الذي اكتشفه عالم الآثار المصري والمهندس المعماري كمال الملاخ وزميله زكي نور أثناء أعمال الحفر الروتينية في الجانب الجنوبي من الهرم الأكبر.
وبينما تم حفر القارب الأول وإعادة تجميعه، ظل القارب الثاني مغلقًا في حفرته الجيرية للحفاظ على هيكله الخشبي الهش.
لم تُجرِ الجمعية الجغرافية الوطنية الأمريكية، بالتنسيق مع مكتب الآثار المصرية، أول فحص علمي للحفرة المُغلقة إلا في عام ١٩٨٧. حُفر ثقب صغير في سقف الحفرة، وأُنزِلت كاميرا مُصغّرة داخلها لتقييم حالة القارب. أُعيد سدُّ الحفرة بعد ذلك بوقت قصير. إلا أن الثقب سمح بدخول الهواء والحشرات، مما أدى إلى تدهور بعض العوارض الخشبية القديمة.
إدراكًا منها لضرورة الحفاظ على القارب، تدخّلت اليابان لدعم مهمة الإنقاذ. قدّمت الحكومة اليابانية، من خلال جامعة واسيدا، منحة قدرها 10 ملايين دولار أمريكي لتمويل استخراج القارب وترميمه وإعادة تجميعه.
وقال زيدان إن فريقا مصريا يابانيا مشتركا بدأ العمل بعد ذلك بوقت قصير، حيث قام بإزالة 1698 قطعة خشبية بعناية من 13 طبقة مكدسة داخل الحفرة، مضيفا أنه تم تطبيق معالجات الحفظ الأولية في الموقع قبل نقل القطع إلى معامل الترميم بالمتحف المصري الكبير حيث اكتملت عملية الحفظ الطويلة والدقيقة، وستستمر عملية إعادة البناء.
أوضح أن المشروع بدأ عام ٢٠٠٨ عندما أجرى الفريق مسوحات رادارية وطوبوغرافية حول حفرة القارب الثانية. ولحماية الآثار الهشة، بُني حظيرة كبيرة مُكيّفة فوق الموقع، مع هيكل داخلي أصغر فوق القارب نفسه مباشرةً. واستُخدم المسح الضوئي بالليزر لتوثيق الموقع، بما في ذلك الجدار الفاصل بين الهرم الأكبر وحفرة الدفن.
قال زيدان إنه تمت إزالة 41 كتلة من الحجر الجيري كانت تسد الحفرة لمدة 4500 عام بعناية. وتحتها، اكتشف الفريق 1698 قطعة خشبية من القارب الثاني، مرتبة في 13 طبقة. وُثِّقت كل قطعة، وحُفظت، وعُولجت في الموقع قبل نقلها إلى مختبرات الترميم في المتحف المصري الكبير.
يُعدّ قاربا خوفو أكبر سفينتين ملكيتين قديمتين عُثر عليهما على الإطلاق، ومن أقدم السفن الخشبية الباقية في العالم. بُنيا للملك خوفو، أحد حكام الأسرة الرابعة في مصر وباني الهرم الأكبر.
اكتُشف القارب الأول في حفرة مغطاة بالحجر الجيري بجوار الهرم، ووُجد مفككًا ولكنه مُرتَّب بعناية، إلى جانب حبال وحصائر وأدوات من الصوان ومجاديف وأعمدة وعناصر هيكلية. وقد أُعيد تجميعه على مدى أكثر من عقدين من قِبل خبير الترميم أحمد يوسف، الذي درس نقوش المقابر القديمة وتقنيات بناء القوارب الحديثة لحل لغز الخشب المُعقَّد.
تم عرضه في البداية في متحف مخصص بجوار الهرم، ثم تم نقله إلى موطنه الدائم في المتحف المصري الكبير في عام 2021.
نُقلت السفينة باستخدام مركبة مُصممة خصيصًا تعمل بالتحكم عن بُعد، جُلبت من بلجيكا. خضعت المركبة لتجارب أولية لضمان نقلها بأمان، وقد أثبتت نجاحها الباهر. ولإجراء عملية النقل، غُلّفت السفينة بعناية برغوة علمية واقية، وحُفظت داخل إطار حديدي مُصمم خصيصًا لحمايتها من الاهتزاز أو التلف.
أثار اكتشاف قوارب خوفو جدلاً علمياً. يعتقد العديد من علماء المصريات أنها كانت مراكب شمسية مُعدّة لحمل الملك المُبعث عبر السماء مع إله الشمس رع. ويشير آخرون إلى أن السفن ربما استُخدمت خلال حياة خوفو في رحلات الحج الدينية، مشيرين إلى علامات الحبال والتآكل التي تشير إلى أنها كانت تُبحر في السابق على الماء.















