باتت خريطة الحرب في أوكرانيا مرآة متحركة لتصاعد القتال والضربات الاستراتيجية على خطوط المواجهة والمدن المدنية على حدّ سواء. في الأيام الأخيرة سجلت الجبهات في الشرق والجنوب تباينات واضحة: هجمات روسية محلية مكثفة ومحاولات تقدم، مقابل تحصينات أوكرانية ومناورات سحب تنظيمية في مناطق تختبر صلابة الدفاع والقدرة على الإمداد.
في المحور الشرقي — حول منطقتي خاركيف ودونباس — تواصلت الاشتباكات العنيفة. تقارير ميدانية ورسمية أوكرانية أفادت عن هجمات روسية على محور كوبينسك (Kupyansk) ومحاولات لاختراق خطوط الدفاع الأوكرانية، مع مواجهات مركزة حول مدن وقُرى استراتيجية تفرض ضغوطاً على الجبهات المحلية. تحليل مراكز رصد عسكري مستقل يظهر أن القتال يتركز في جيوب ومحاور محددة، مع تبادل محاولات التقدم والرد في نقاط اعتبرتها مصادر الاستخبارات ذات أهمية تكتيكية.
جنوباً، في محافظات زابوريزهيا ودنيبروفيلسكي، سُجلت تقدمات روسية محلية أدت إلى إزاحة خطوط الاتصال والدفاع، ما دفع القوات الأوكرانية إلى عمليات سحب أو إعادة تمركز نحو مواقع أكثر قابلية للدفاع لتقليل الخسائر البشرية وتأمين خطوط الإمداد. تقارير ميدانية أوضحت أن القتال هناك يتم في تضاريس مفتوحة تتخلّلها قرى وطرق إمداد أساسية، ما يجعل السيطرة على أي نقطة صغيرة تكسب الطرف المتقدم نفوذاً لوجستياً وتكتيكياً.
على خلفية القتال المباشر، استمرت الضربات الصاروخية والهجومية على العمق الأوكراني — مدن سكنية وبُنى تحتية حيوية — كان من أحدثها هجوم صاروخي على مدينة بالاكليا في منطقة خاركيف الذي أسفر عن قتلى وجرحى وأضرار بالمساكن، ما يذكّر بطبيعة الحرب الحالية التي لا تميّز بالكامل بين مواقع القتال ومواطن المدنيين. هذه الضربات ترافقت مع سلسلة هجمات استهدفت شبكة الطاقة والمرافق الحيوية قبيل فصل الشتاء، ما زاد من الضغوط الإنسانية واللوجستية على المدنيين والحكومة على حد سواء.
ميدانياً، تُظهر الخرائط التحليلية الصادرة عن معاهد بحثية متابعة للحرب (مثل ISW) تبايناً في السيطرة على الأراضي: مناطق حمراء توضح سيطرة روسية نقاطية، ومناطق صفراء تشير إلى نزاعات رُقع متغيرة حيث يزحف القتال وينسحب كل طرف حسب الظروف التكتيكية. الخرائط الأخيرة تشير إلى تركيز هجمات روسية في محاور مُحدّدة في نوفمبر، مع إبراز سيطرة نسبية على أجزاء من المحور الجنوبي والشرقي مقارنة ببقية الخطوط.
سياسياً وعسكرياً، تبدو المعادلة الآن أقل عن “تحولات إقليمية واسعة” وأكثر عن “مناورات تكتيكية لفرض كلفة على الآخر”: روسيا تسعى لتعزيز مكاسب محلية وتوسيع نقاط تثبيت، وأوكرانيا توازن بين حفظ أرواح المقاتلين والحفاظ على مواقع استراتيجية قابلة للاستمرار في الدفاع. ذلك يترجم على الخريطة بوجود جبهات مضاغطة ومناطق «جزرية» من القتال تتغير بشكل دوري.
من الناحية الإنسانية، الضحايا المدنيون والبنية التحتية المتضررة تحوّلان الخريطة إلى مشهد من المعاناة اليومية: أحياء مهدمة، شبكات طاقة متقطعة، ونزوح داخلي مستمر. المنظمات الإنسانية ودول أوروبا تراقب عن كثب تبعات فصل الشتاء، حيث يؤثر تلف البنى التحتية للطاقة على الملايين.
ختاماً، خريطة الحرب اليوم ليست مجرد خطوط حمراء أو مضيّعة من الأراضي؛ بل سرد يومي لصراع يُدار بمحاور تكتيكية وعمليات قصف استراتيجية، ومعادلات لوجستية وسياسية تحدد إلى أي مدى يمكن لكل طرف تحويل نصر محلي إلى مكسب مستدام. للمطلعين على الخرائط اليومية (مثل تقارير ISW وخرائط الرصد الصحفي) فائدة كبرى في تتبع هذه التحركات اللحظية، لكن الواقع الميداني قابل للتغير بسرعة بوجود عمليات هجومية مضادة، أحوال جوية، أو قرارات سياسية مفاجئة.













