بقلم د: حامد محمود
رئيس وحدة دراسات إيران والخليج العربي بمركز العرب للدراسات

القاهرة (زمان التركية)ــ جاءت الغارة الجوية التي شنّها التحالف بقيادة السعودية صباح الثلاثاء على ميناء المكلا اليمني الجنوبي، وتلتها دعوات سعودية صريحة لجميع القوات الإماراتية بمغادرة اليمن، مع تصريح من الرياض بأن أمنها الوطني يمثل «خطًا أحمر»، لتُظهر وجود أزمة عميقة مع حليفتها الإمارات، رغم إعراب أبوظبي عن «دهشتها» من الضربة، قبل أن تعلن سحب قواتها المتبقية من اليمن لضمان سلامتهم.
ولِمَ لا، فالحليفتان تربطهما شراكة استراتيجية طويلة الأمد، ليس في منطقة الخليج فقط، بل وفي ملفات أخرى عديدة.
وتُظهر هذه الأزمة، التي أثارها التقدم المفاجئ للانفصاليين المدعومين من الإمارات (المجلس الانتقالي الجنوبي) في جنوب اليمن أوائل ديسمبر، سنواتٍ من الخلافات بين القوتين الخليجيتين حول قضايا متعددة، تشمل النفوذ في اليمن من خلال الموقف المتعارض تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي، وحصص إنتاج النفط في إطار تحالف «أوبك+»، بالإضافة إلى النفوذ الجيوسياسي الإقليمي، خاصة في ملفات مثل الحرب في السودان.
وبعد تقدمها في ديسمبر، تسيطر قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيًا الآن على مساحات شاسعة في جنوب اليمن، بما في ذلك محافظة حضرموت الاستراتيجية التي تمتد إلى الحدود السعودية. وقد وضع هذا التقدم البلدين على طرفي نقيض في المشهد اليمني المعقد.
المصالح الإماراتية في اليمن
منذ سنوات الحرب الأهلية، وبعد تدخل السعودية لصالح الحكومة فيما يُعرف بعملية «عاصفة الحزم»، طُرحت العديد من علامات الاستفهام حول المصالح الإماراتية في اليمن، أو عمّا إذا كانت أبوظبي، التي تؤكد عدم وجود نوايا استعمارية لها، قد استغلت الانشغال السعودي مع الحوثيين لتعزيز سيطرتها على عدة مناطق، منها الساحل الغربي، وجزيرة ميون التي تُعد محطة تموين السفن بالفحم في مضيق باب المندب، الذي يمر عبره نحو 30% من نفط العالم، بالإضافة إلى مدينة ذوباب وميناء المخا، ناهيك عن جزيرة سقطرى، التي يُعتقد أنها أبرز مثال على الطموحات الإماراتية.
الإمارات وسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت
تُعد حضرموت من أهم المحافظات في اليمن، إذ تضم حوض مسيلة، أكبر منطقة لإنتاج الهيدروكربونات في البلاد، كما تمثل الجسر البري واللوجستي الرئيسي الذي يربط ساحل بحر العرب بالصحراء الشرقية المتصلة بجنوب السعودية.
ويُعتقد أن التحرك الإماراتي في حضرموت والمهرة، وهما من أغنى المحافظات اليمنية بالنفط، وما رافقه من إقصاء للقوات المدعومة من السعودية، يتجاوز كونه صراعًا محليًا على النفوذ، إذ يُنظر إليه على أنه جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحويل جنوب اليمن إلى مركز متقدم للمراقبة البحرية، يُستخدم لرصد حركة الملاحة وتعزيز أشكال التعاون الخارجي.
ومن المؤكد أن الوجود الإماراتي في حضرموت يخدم استراتيجية أبوظبي الأوسع في المنطقة، حيث تُنظر إلى المحافظة باعتبارها ركيزة أساسية لتأمين إيرادات النفط والغاز، بما يوفّر قاعدة للاستقلال المالي للقوى الانفصالية الجنوبية. كما يهدف هذا التوجه إلى ربط عدن وشبوة والمكلا ووادي حضرموت ضمن نطاق جغرافي متصل، يحقق الاستمرارية الإقليمية كجزء من مشروع طويل المدى لتقرير مصير الجنوب.
ويُعد حوض مسيلة محورًا مركزيًا في هذا المشروع، إذ إن غياب السيطرة عليه سيجعل الاستقلال الاقتصادي للجنوب محدودًا إلى حدّ كبير.
وبالسيطرة على حضرموت والمهرة، توفّر الإمارات العمق البري واللوجستي، بينما توفّر سقطرى لها العين البحرية المتقدمة؛ والسيطرة على المناطق الثلاث معًا تعني التحكم الفعلي بملاحة بحر العرب وخليج عدن وباب المندب.
ويُنظر إلى عملية المجلس الانتقالي الجنوبي على أنها أهم تحول إقليمي منذ هدنة الأمم المتحدة في عام 2022، على اعتبار أنها أعادت تشكيل توازن القوى الداخلي في اليمن، وأثرت على البنية الأمنية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وفي التحليل النهائي:
من المتوقع أن تتجه الرياض وأبوظبي إلى تصعيد محسوب في الأيام القادمة، في ظل غياب المؤشرات على نية المجلس الانتقالي الجنوبي التراجع، بل على العكس. ومع ذلك، يُمكن تقليص تدفق الأسلحة من الإمارات إليه خلال هذه الفترة، خاصة مع فرض حظر على المنافذ، وسيطرة السعودية على المجال الجوي.



