إسطنبول (الزمان التركية) – ليس سرًّا أن القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تدعم المجموعات الإرهابية المختلفة وتستغلها في إطار الظروف السائدة، انطلاقًا من العقلية البراغماتية. إلا أن تلك المجموعات الراديكالية القائمة على الأفكار الأيديولوجية أو التوجهات الدينية، لا يمكنها أن تتأقلم مع التغيرات السياسية التي تشهدها البلدان الداعمة لها. لهذا شهدنا ونشهد دائمًا انقلاب السحر على الساحر، وشروع تلك الجماعات في الاعتداء على الدول التي تدعمها.
وهذا الحكم ينطبق على السياسة التي اتبعتها تركيا في الأزمة السورية؛ إذ عندما أعلن الرئيس أردوغان رغبته في أداء صلاة الجمعة في المسجد الأموي في الشام، توجه لعقد اتفاقاتٍ وتحالفاتٍ مع تنظيمات إرهابية كتنظيم داعش وجبهة النصر التابع لتنظيم القاعدة في سوريا. إلا أن تغيُّر الظروف وانقلاب الأوضاع رأسًا على عقب في سوريا، أي ظهور استحالة الإطاحة ببشار الأسد بعد دخول روسيا قلب المعركة بجانبه، اضطرت أنقرة للوقوف إلى جانب موسكو ووضع نفسها في مواجهة جبهة النصرة. وكانت وسائل الإعلام المختلفة قد نشرت قبل عدة أسابيع حالة الغضب والثوران في صفوف المعارضة السورية التي اتهمت أردوغان بالتخلي عنها، خاصة في مدينة حلب، من أجل كسب ود ّوصداقة نظيره الروسي بوتين.
أمَّا واقعة اغتيال السفير الروسي في العاصمة التركية أنقرة، فتكشف أن المسؤولين الأتراك لم يكتفوا بتقديم الدعم المالي لتلك التنظيمات الإرهابية، بل وصل الأمر إلى فتح أراضيهم ومؤسساتهم الأمنية لها.
كان محللون سياسيون يلفتون الانتباه في الآونة الأخيرة إلى أن شركة أمنية تسمى بـ”الصدات” (SADAT) تقدم التدريب العسكري والحرب النفسية لعملاءها، بدأت تقوم مقام “رئاسة هيئة الأركان العامة” للجيش التركي وتسرق منها دورها. أما الحقيقة الظاهرة كظهور الشمس في كبد السماء بعد واقعة اغتيال السفير الروسي هي مدى تسلّل وتوغّل الإرهابيين التابعين لتنظيم داعش وجبهة النصرة في مؤسسات الدولة بعد عملية التصفية والتطهير التي أجريت بحجة مكافحة عناصر ما يسمى بالدولة الموازية. وبما أن عملية اغتيال السفير الروسي عملية “منظمة”، فليس من المستبعد أن تكون في أعماق الدولة التركية بؤر إرهابية قوية.
وكانت تقارير محلية ودولية كتبت أن شركة صدات الأمنية المذكورة التي تدعى في الداخل التركي “الجيس السري لأردوغان” كانت تولت مهام تدريب قوات تنظيم جبهة النصرة المعارضة في حربها ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد. وكان مجال العمل الرئيسي لهذه الشركة الأمنية يتمثل في تطوير قدرات المقاتلين الجهاديين. ولذلك نرى أن هناك تعاونًا وثيقًا وعملية أخذ وعطاء بين كوادر هذه الشركة وعناصر جبهة النصرة.
يجدر الإشارة إلى أن شركة صدات تتمتع بسلطاتٍ واسعةٍ على المؤسسات الأمنية في تركيا؛ ويرأسها عدنان تانريفردي، كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يبدو أن تركيا بعد أن اتخذت التنظيمات الإرهابية جيرانًا لها بدلاً من الدول التي تتمتع بالشرعية الدولية ووظفتها في إسقاط الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، باتت الآن تواجه خطر الإرهاب في عقر دارها.
ولعل قول الشاعر هذا يجسد واقع تركيا أردوغان: أُعلِّمهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يومٍ – فَلَمّا اشتَدَّ ساعِدُهُ رَماني.
تقرير: علي عبد الله التركي من جريدة الزمان التركية
https://youtu.be/GHKnCc1VDR0