كان لتواجد حاملة الطائرات كوزينتسوف برفقة الطراد بطرس الأكبر بسوريا رسالة مهمة للغرب الذى تجيش للحظة لاسقاط بشار الاسد عسكريا، قبل ان تفرض موسكو كلمتها فى النهاية، والان الادميرال كوزينتسوف توجه رسالة ثانية للغرب ولكن فى تلك المرة ليست من السواحل السورية ولكن بالسواحل الليبية، بعد ان اجتمع بها قادة عسكريون روس بالمشير خليفة حفتر قبل ان يتحاور مع وزير الدفاع الروسي عبر الفيديو، وهو لقاء حمل فى توقيته رسالة مهمة من ليبيا أيضا بعد تنديد مجلس النواب الليبي بالامس بدخول بوارج ايطالية محملة بالسلاح والجنود للمياة الاقليمية الليبية، فتوقيت اعلان التدخل الروسي هناء جاء أكثر من رائع، فبوتين لم ينتظر مزيدا من الوقت امام ليبيا بعد أن شاهد تدخل السعودية وقطر بشكل مباشر فى الملف الليبي، ومحاولة استمالة الجزائر للتدخل فى ليبيا نكاية فى مصر، الأمر الذى قد يجعل ليبيا تنفجر على غرار ما حدث بسوريا بعد أن تحول مسار الثورة بسوريا الى حراك جهادي مسلح، فبعد فرار مدير الاستخبارات الداخلية الايطالية من ليبيا أثناء اجتماع بطرابلس، طالبت حركة النجوم الخمس بالبرلمان الايطالي اللجنة البرلمانية لأمن الجمهورية (كوباسير) ولجنة رقابة نظام أمن المعلومات بتقديم طلب إحاطة لرئيس الوزراء باولو جينتيلوني ووزير الخارجية أنجيلينو ألفانو والداخلية ماركو مينّيتي ومدير جهاز الاستخبارات الداخلية نفسه، بسبب فشل الحكومة الايطالية فى التعامل مع الملف الليبي.
وخلال الساعات القليلة الماضية أسقط خليفة الجويل العديد من مقرات طرابلس فى قبضه يده، حتى أنه أعلن أنه سيلقي بيان من قلب وزارة الدفاع بطرابلس، كما عدل وزير الخارجية أنجيلينو ألفانو من لهجته تجاه المشير خليفة حفتر، وبالأمس يصرح بتمنيه عودة روسيا لقمة الدول الصناعية الثماني الكبرى.
التخبط لم يعد يضرب روما فقط، فى ظل اخفاقات عميلهم كل يوم، قبل أن تدق حاملة الطائرات كوزينتسوف ناقوس الخطر لديهم، بل التخبط ضرب عقول كل من دعمو حامد كرزاي ليبيا المسمى بفائز السراج، كالمانيا التى اعدت ودربت له مقاتلين فى تونس، قبل ان تسلمهم لفائز السراج تحت مسمى الحرس الرئاسي او غيره، بجانب ايطاليا نفسها التى قدمت الدعم الغير محدود للسراج الذى مكث بروما اكثر من طرابلس، بجانب بريطانيا التى سخرت كل جهود قاعدتها العسكرية بفاليت لخدمة المليشيات المسلحة فى ليبيا، بالاضافة الى ما أقدمت عليه ادارة اوباما من دق الأسافين بجميع القضايا الملتهبة كي يوضع دونالد ترامب أمام الأمر الواقع تجاه كل الملفات بما فيها الملف الليبي، بعد ان تم انزال الف جندي امريكي مؤخرا بطرابلس على حسب كلام رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، بجانب دور امير قطر تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب اردوغان والذى يحتاج مننا سلسلة مقالات لشرح في ليبيا.
تحول كوزينتسوف من سوريا الى ليبيا يعكس دلالات كثيرة فى مستقبل الحرب الليبية، خاصة وأن فايز السراج كان متواجدا بالقاهرة بنفس التوقيت فى زيارة غير مرتب لها التقى فيها بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وما ترتب بعدها من اتصالات بين الرئيس المصري ونظيره الفرنسي فرانسوا هولاند ( اكثر الاطراف الغربية تقاربا مع رؤية مصر تجاه ليبيا) خاصة وان القاهرة تنظر باهتمام بالغ لاهمية استقرار جبهتها الغربية، وما يضمن وحدة الأراضي الليبية، فكم من مرة قطعت القاهرة خيوط تفكيك ليبيا من قبل المستعمرين القدامى وصبيان واشنطن بالاقليم، حتى ان هناك اجهزة استخبارات غربية وصحف اوربية لقبت الفريق محمود حجازي رئيس الاركان المصري بالحاكم الفعلي لليبيا.
وكما قلت لكم فإن ليبيا كانت بداية معارك الكبار، وأذكركم بتصريح بوتين أثناء الحوار التليفزيونى الذى أجراة يوم 17 ابريل2014 ” والذي ذكر فيه أن العلاقات مع الولايات المتحدة انتهت بعد الاحداث فى ليبيا، وليس بعد احداث شبه جزيرة القرم”
والان تعود ليبيا الى مقدمة الاحداث مجددا بعد أن أكدت للرئيس الروسي ورجال الكرملين بأن ما يدور بالشرق الأوسط فى عام 2011م لم يكن ربيعا ديمقراطيا وحراكا ثوريا كما أوهم الاعلام الغربي البعض، بعد مقتل القذافي، ولكن تفعيلا للشرق الاوسط الجديد، وتقسيم المقسم من الشرق القديم او سايكس بيكو الاولى بتعبير أدق.
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط