القاهرة (الزمان التركية) – تتوجه مصر نحو مرحلة جديدة تصيغ فيها سياستها الدولية والإقليمية وفق الحسابات السياسية الجديدة التي تحكم المنطقة وحول هذا الموضوع كتبت روزانا رمال مقالا للبيان تحت عنوان “بعد أستانة: مصر تكمل ثنائية “إيران – تركيا” فهل تغزل السعودية؟”
وقالت “كرست تركيا مكانتها الأولى في العالم الإسلامي «السني» تحديدا كمرجعية مقابلة لإيران في حل أزمات المنطقة وتسوياتها رغم احتفاظها بمسافة من الخصومة بمواجهة إيران وتأكيدها هذه المسافة ومحاكاتها للخطاب السياسي الأمريكي الجديد الذي يقوده ترمب في العداء لإيران وتقديم أوراق اعتمادها لتكون على نقطة تقاطع مع هذا الموقف. وفي الوقت نفسه قطعت الشوط اللازم لبناء جسر علاقة مستقر مع روسيا قائم على الثقة والمصالح المشتركة, وتثق روسيا بأن تركيا بحكم الجوار الجغرافي لروسيا من جهة ولمناطق الصراع من جهة أخرى ستكون هى الطرف الذي يمكن عبره صناعة التسويات.
أمام مصر والسعودية مسافتان مقابلتان صعبتان: المسافة نحو روسيا والمسافة نحو أمريكا. الواضح أن السعودية وضعها أصعب من مصر، لأن السعودية بعلاقتها مع روسيا ارتكبت مجموعة من الأخطاء، ولم تصححها عندما بادرت روسيا لإقامة أول حوار «سوري – سعودي» برعايتها وأفشلته السعودية بمزاعم ثبت عدم صحتها مثل الكلام عن أنها تريد تعرية سوريا أمام روسيا، وإذ بروسيا تأتي عسكريا لحماية سوريا بعد أقل من شهرين للكلام السعودي وإضاعة فرص كثيرة مشابهة بالانفتاح الروسي عليها، وفي جلب إيران إلى مثل هذا الانفتاح بالتفاهم الذي حصل على السوق النفطية.
ومع أمريكا واضح أن وضع السعودية ليس جيدا سواء بالخطاب السياسي الأمريكي الجدي مع ترمب الذي يتحدث عن دول الخليج أنها مجرد كيس للنقود وآبار للنفط وعقول سياسية لا يمكن التعامل معها.
وبالتالي مشكلة السعودية تبدو أشد تعقيدا، رغم أن ثمة حوارا يبدو أنه بدأ بزيارة وزير خارجية الكويت إلى إيران حاملا رؤيا مجلس التعاون الخليجي، لكن هذا يبدو أنه سيبقى «خليجيا» ولن يتحول ليصبح بالنسبة للسعودية قاعدة ارتكاز للعب مستوى أكبر من الدور مقابل لركيا, هل ثمة إمكانية لمصر أن تدخل في غمار هذه المعادلة؟
الجواب هو نعم، لأن مصر عند روسيا تحتل مكانة مميزة بالعلاقة الشخصية بين الرئيس بوتين والرئيس السيسي، ولم يخف الأمريكي نظرة مشابهة للرئيس السيسي واعتماده لمصر في الاتصال الذي ميز به ترمب الرئيس المصري بين سائر القادة العرب.
لكن.. يبدو أن مصر أمام مشكلة وفرصة في الوقت نفسه: المشكلة هى الملف «الفلسطيني- الإسرائيلي» و«العربي- الإسرائيلي» الذي يتبنى فيه الأمريكيون موقفا متطرفا لجانب «الإسرائيلي» أجبر مصر على سحب مشروع القرار الذي قدم لمجلس الأمن لوقف الاستيطان ليعود فيمر بعناوين أخرى تقدمت بها السنغال ونيوزيلندا ودول اخرى. وبالمقابل تحضر المسألة «الإسرائيلية» بصورة قوية بشكل لا تستطيع مصر مجاراة ترمب فيها كي لا تخسر صفتها كقوة عربية كبرى، ولا بالمقابل تستطيع أن تغامر بعلاقتها الجديدة مع الإدارة الأمريكية بتبني موقف متقدم من المسألة الفلسطينية.
الفرصة أمام مصر هى أنها في الملف الليبي تملك القدرة على أن تكون المرجعية القادرة على حسم وضع ليبيا «بتفويض روسي» و«تفويض أمريكي» فأيهما سيسبق الآخر؟
المعركة على أرض المسرح الليبي الذي سيعطي لمصر صفة دور الشريك الموازي لتركيا وإيران في النظام الإقليمي الجديد؟ أم الاستحقاق «الإسرائيلي» على جدول أعمال الإدارة الأمريكية الجديدة الذي سيحرج مصر، لكنه سيفتح أبوابا أقوى أمام تركيا بحكم العلاقة الخاصة التي تربطها بـ«إسرائيل» وبحكم قدرتها على المونة على حركة حماس كفرع للإخوان المسلمين، وبالتالي بين مصر وتركيا إحدى الأولويتين الملف «الإسرائيلي» أم الملف الليبي.
حظوظ مصر في لعب دور إقليمي على مستوى العالم السني عربيا، بالتأكيد سيأخذ على عاتقه تعزيز حضور القاهرة مقابل الرياض وسط صراع تاريخي على تقويض قدرة مصر، منذ ما قبل الثورة الأخيرة التي ساهمت الدول الخليجية مرتين باستغلال نتائجها، أولا عبر قطر وما وراءها تركيا والرغبة بتفويض الحركة الإخوانية والسلطة في ذلك الوقت ضمن سلطة الحزب الحاكم في تركيا وفي المرة الثانية المساحة التي أعطتها الإدارة الأمريكية للسعودية للتوجه نحو اقتناص فرصة استعادة النفوذ في مصر. الأمر الذي أربك السيسي في استحقاقات أساسية آخرها «جزيرتا تيران وصنافير»، حيث لا يمكن استبعاد القرار القضائي الأخير بمصرية الجزيرتين عن التنصل من نفوذ السعودية وانعدام الرغبة المصرية بالمسايرة ما يعني أن مصر تتوجه بالتأكيد نحو مرحلة جديدة تصيغ فيها سياستها الدولية والإقليمية وفق الحسابات السياسية الجديدة التي تحكم المنطقة منذ الحضور الروسي الوازن في سوريا. تطوي مصر صفحة ماضية وتدخل أخرى مع فرصة جدية في أن تتحمل مسئولية المشاركة في صناعة العملية السياسية في المنطقة مع ما يفتحه ملف مكافحة الإرهاب من تعزيز للدور الأساسي المتعلق بالأمن الأفريقي.
فتحت الأزمة السورية مدخلا عريضا لحضور مصري كبير في المعادلة قد يعيد لـ«السنة» في المنطقة العربية توازن الدور والمكانة بعيدا عن شبهات التطرف والدعم اللافت للإرهاب. وهو التشويه الذي أخذت الوهابية على عاتقها المضي قدما في اعتباره خيارا ومسارا وحيدا لحماية الأنظمة الخليجية والعربية الموالية لها. مصر تستعيد تدريجيا المكانة والدور التاريخيين هذه المرة بإجماع قطبي السياسة الدولية الأمريكي والروسي في إحداث فارق. وربما تكون على مقربة من الإجابة على السؤالك المفترض لسنوات حول حسم هوية المرجعية السنية عربيا”.
المصدر: صحيفة البناء