بقلم: أرطغرل أوزكوك، صحيفة حريت التركية
جمعتُ كل الأجوبة التي بعثها رئيس الأركان التركي خلوصي أكار إلى لجنة التحقيق البرلمانية في المحاولة الانقلابية ورتبتُها واحدة تلو الأخرى، فظهرت أمامي هذه الصورة:
يقول أكار في رسالته إلى اللجنة:”إن البلاغ الذي أوصله ضابط برتبة رائد إلى المخابرات التركية في الساعة 14:20 من يوم الانقلاب لم يتحدث عن احتمالية انقلاب”.
أي أنه يرفض علمهم المسبق بمحاولة الانقلاب.
إذن فما كان مضمون بلاغ هذا الرائد الغامض، بحسب رأي رئيس الأركان خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان؟
بحسب رأيهما قال لهما الرائد: “استدعانيالعقيد وأبلغني أن مروحيات تابعة للجيش ستحلق في هذه الليلة وفي النهاية سيتم اختطاف هاكان فيدان”.
بمعنى أن مجموعة من الجنود سيتوجهون سويًّا لاختطاف رئيس جهاز المخابرات. ما هذا؟ هل هذا واقعة اختطاف طفل بسيطة؟
لنفترض أن الرائد لم يذكر في بلاغه وجود محاولة انقلابية، لكن ما هي الخطوات والإجراءات التي اتخذها كل من رئيسي المخابرات والأركان بعد هذا البلاغ؟
يزعم رئيس الأركان: “اعتقدنا أن البلاغ الواصل إلى المخابرات كان جزءًا من مخطط أكبر”.
بالله عليكم، من يمكنه أن يفسر لنا ما هو المخطط الأكبر من مخطط اختطاف رئيس مخابرات دولة؟ إن لم يكن هذا المخطط الأكبر انقلابًا فماذا هو إذن يا ترى؟
لنفترض أن الرائد لم يذكر في بلاغه وجود محاولة انقلابية، لكن ماذا فعل رئيسا المخابرات والأركان عقب تلقيهما هذا البلاغ؟ لننظر إلى ما فعلاه من خلال رسالة رئيس الأركان إلى لجنة التحقيق في الانقلاب الفاشل:
“في تلك الأثناء قالرئيس المخابرات إنه يريد إبلاغ الرئيس أردوغان بالأمر، وبالفعل أجرى اتصالاً هاتفيًّا مع رئيس الحرس الشخصي لأردوغان”.
هل يتم الاتصال بحرس أردوغان بسبب “مخطط اختطاف رئيس المخابرات هاكان فيدان”، ومن ثم يتم سؤاله “هل لديك ما يكفي لحماية الرئيس أردوغان؟”، هل هذا معقول وطبيعي إن لم يكن هناك بلاغ بوجود محاولة انقلابية؟
لنزعم أن البلاغ الواصل إلى المخابرات لم يتضمن وجود محاولة انقلابية لكن ماذا فعل رئيسا المخابرات والأركانعقب هذا البلاغ؟ لنقرأ ذلك في رسالة رئيس الأركان إلى لجنة التحقيق أيضًا:
“كما يُفهم مما ذكرته آنفًا، فإننا أخذنا هذا البلاغ على محمل الجد منذ البداية،واتخذنا جميع الإجراءات اللازمة، إضافة إلى الخطوات الواجبة لضمان تنفيذها”.
ومع أن رئيس الأركان ينفي في بادئ تصريحاته وجود “بلاغ بمحاولة الانقلاب”، لكنه يعترف علنًا فيما بعد بأن البلاغ كان يتضمن الانقلاب حيث يقول: “أخذنا هذا البلاغ على محمل الجد منذ البداية، واتخذنا جميع الإجراءات اللازمة، إضافة إلى الخطوات الواجبة لضمان تنفيذها”.
بمعنى أننا أمام مخطط انقلاب عجزت رئاستا الأركان والمخابرات عن عرقلته رغم علمهما المسبق به قبل أكثر من 12 ساعة من بدئه على الأقل.
الجزء الأكثر خطورة بالنسبة لي هو ختام الرسالة التي بعثها رئيس الأركان خلوصي أكار إلى لجنة التحقيق البرلمانية في الانقلاب الفاشل.. حيث يكشف عن كيفيةتقييم رئيسيالأركان والمخابرات بلاغ الانقلاب هذا.
ها هو جواب رئيس الأركان الذي يذهل العقول:
“بحسب قناعتي، فإن الإجراءات التي اتخذناها أفزعت الخونة وكشفت عن مخططهم مبكرًا بعد أن أجبرتهم على تقديم موعد الانقلاب الذي كانوا يعتزمون تنفيذه في تمام الساعة الثالثة ليلاً، وفق ما بينه المتهمون في وقت لاحق”.
هل علمتم الآن ما هو النجاح الكبير؟ إنه العجز عن عرقلة محاولة انقلابٍ تلقوا بلاغًا عنها قبل أكثر من 12ساعة من انطلاقه والعمل على تقديم موعدها!!
فماذا عن 250 شخصًا سقطوا شهداء خلال أحداث هذا الانقلاب الذي عملت رئاستا الأركان والمخابرات على تقديم موعده بعد عجزهما عن عرقلته رغم علمهما المسبق به؟ فهل بمقدوركم أن تقنعوا أسر هؤلاء الشهداء أيضًا بهذا السيناريو الذي تحكونه عن الانقلاب الفاشل؟!
وبم يمكن أن تفسروا “اطلاع الرئيس أردوغان على محاولة الانقلاب من خلال صهره” بعد بدء أحداثها، مع أن رئيس المخابرات أجرى اتصالاً هاتفيًّا مع حرسه بعد تلقيهم البلاغ في الساعة 14:20 يوم الانقلاب، وفق بيان رئيس الأركان الذي يتناقض مع قول أردوغان في هذا الصدد، حيث قال إنه لم يستطع التواصل مع رئيس المخابرات في تلك الليلة، فحصل على خبر الانقلاب من صهره!!
نصيحتي لكم – أصحاب السلطة – هي: كفّوا عن الدفاع عن أطروحة “تقديم موعد الانقلاب”، فهي تخدم أهداف من يَصِفون أحداث تلك الليلة بـ”الانقلاب تحت السيطرة”!!
وفي الختام أذكركم بما قاله رشاد بيتاك؛ رئيس لجنة التحقيق البرلمانية في المحاولة الانقلابية من صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم على قناة “خبر ترك”، حيث قال بالحرف الواحد: “أنصار منظمة فتح الله غولن… لو لم ينفذوا انقلابًا في تلك الليلة كانوا سيسيطرون على كل مفاصل الدولة في غضون سنتين أو ثلاث سنوات من دون الحاجة إلى انقلاب”.
حسنًا، ألا يتساءل الصحفي الذي يسمع هذا الكلام: إذن فهل هذه المحاولة الانقلابية كانت مبادرة جيدة؟!!


















