بقلم: جولتكين آفجي
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أطلق مصطلح “العملية” على التسليم المشروط للرهائن الأتراك من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، غير أنه اعترف أول من أمس، الإثنين، بتحقّق ذلك جراء “الاتصالات والمفاوضات الدبلوماسية”، دون الإفصاح عن ماهيتها، والتعرّض لما قدِّم لتنظيم داعش من وعود، بل اكتفى بقوله: “هناك جوانب للقضية يمكن أن نتحدث عنها، وهناك جوانب أخرى لا يمكن أن نتحدث عنها”.
لا شك في أن الجوانب التي “لن تستطيعوا الحديث عنها” ستحرق تركيا بكل تأكيد، لأن المواضيع التي “لا يمكن الحديث بشأنها” تجسدت أمامنا دائمًا على هيئة فضائح من العيار الثقيل، يدل تطور الأحداث في الشرق الأوسط على أن هذا الحريق الذي يلتهم المنطقة دون أن يسيطر عليه أحد سيلقى في “حجر” تركيا كالجمرة التي تحرق بلا رحمة ولا شفقة.
سنتحرّق جميعًا بنيران عديمي الحكمة والبصيرة، فكما أن جهاز الاستخبارات الباكستاني قاد عملية تأسيس حركة طالبان لمكافحة الحكومة المناصرة للاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ثم أصبحت هذه الحركة وبالاً على باكستان نفسها، فالوضع نفسه ينطبق على معادلة تركيا – داعش اليوم، وكانت باكستان قد قدمت الدعم المباشر للمقاومة الدائرة في أفغانستان ضد السوفيت.
إن نتائج الهجمات الجوية للتحالف الدولي بزعامة واشنطن على عناصر داعش ستؤثر على تركيا بطريقة مباشرة.
عبور عناصر داعش بأريحية تامة
نعرف من خلال تجارب قصف عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في جبال قنديل شمال العراق، أن أي هجمات جوية غير مدعومة بهجمات برية لا تكون حلاً جذريًا للقضاء على هذه العناصر للأسباب التالية:
1- ستلجأ عناصر داعش إلى الفرار والتفرق من أماكنهم بعد تعرضهم لهجمات جوية مكثفة، وللأسف فإن تركيا تعتبر المكان الأكثر أمنا بالنسبة لعناصر داعش للجوء إليه.
ونحن نشهد اليوم عبور الآلاف من حدود تركيا الجنوبية، التي لا يمكن اعتبارها حدودًا لدولة عادية، وباستطاعة عناصر داعش أن يخفوا أنفسهم بين من يعبرون الحدود الجنوبية لتركيا ليدخلوها بأريحية وسهولة تامة، ومن ثم يحصنون شبكاتهم هناك.
وحتى إن كانت الأردن تمثل نقطة هروب وتمركز بديلة لعناصر داعش، فنرى أن تدفق هذه العناصر الإرهابية سيتم بشكل أكبر باتجاه تركيا، ولا يمكن لأحد الكشف عن هوية المئات بل الآلاف ممن يعبرون يوميًا إلى الأراضي التركية هربًا من جحيم الحرب في بلادهم، وسيعرف الشعب التركي جيدًا الوجه الحقيقي للبعض من خلال العمليات الإرهابية المأسوية التي ستحدث على أراضيه، وذلك بسبب السياسة الخارجية “الرومانسية” الحالمة التي تنتهجها أنقرة، فما رأيكم لو أقدم تنظيم داعش – لا سمح الله – على عمليات قطع الرقاب في تركيا؟ حفظنا الله من هذا الشر…
2- ولننظر إلى احتمال آخر: عندما نفكر في أن داعش استطاع بشكل كبير القضاء على عناصر حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي إثر الاشتباكات الدائرة بينهما على الحدود السورية – التركية، سنرى أن عناصر هذين التنظيمين المدحورين سيعبران هذه المرة إلى تركيا ليتمركزا فيها ليس في جنوب شرق الأناضول بشكل أكبر، كما كان في الماضي، بل في كل مدينة تركية، وهذا بطبيعة الحال سيتسبب في تنفيذ موجة هجمات إرهابية تهزّ كيان تركيا، التي لم تلبِّ طلبات حزب العمال الكردستاني كما يريد، كما ستجد تركيا نفسها في النهاية تمتلك حدودًا مع دولة داعش الإرهابية التي دحرت حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا.
جميعها كوارث
3- لنفترض أن قوات حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي العسكرية استطاعت طرد عناصر داعش من مدن كوباني وعفرين والجزيرة شمال سوريا، والانتصار عليهم بشكل كبير بدعم الهجمات الجوية للمقاتلات الأمريكية، حينها سيعلو شأن حزب العمال الكردستاني الذي استطاع الانتصار على تنظيم داعش، الذي فشلت القوات العراقية والبشمركة الكردية التي تركت أسلحته وزيها العسكري وهربت من أمام عناصره، والذي أفزع الغرب وأرهبه، وستصبح عناصر حزب العمال الكردستاني “المحاربين الأكراد الأسطوريين”.
بقي القليل على إخراج حزب العمال الكردستاني من قائمة المنظمات الإرهابية، ولا يخفى على أحد أن حزب العمال الكردستاني، الذي صار يحظى باهتمام جميع الدول الغربية وإعجابها، لن يراعي الخطوط الحمراء وحساسيات تركيا التي دُمرت في عهد حزب العدالة والتنمية، وحينذاك سيتحقق حلم دولة كردستان بقيادة حزب العمال الكردستاني وليس بزعامة مسعود بارزاني وثقله.
ولاريب في أن الأكراد لن يتأخروا عن اتخاذ قرار توحيد المدن التي أشار إليها حزب العمال الكردستاني جنوب شرق تركيا مع بعض المدن شمال سوريا والإقليم الكردي شمال العراق.
فهل تلاحظون أنه ليس هناك أي احتمال مما سردنا يصب في المصلحة الوطنية لتركيا؟
فما ينتظر تركيا إما دولة كردستان مستقلة تقتطع أجزاء منها، أو تنفيذ حزب العمال الكردستاني لهجمات إرهابية أكثر كثافة، أو قيام دولة داعشية على حدودها الجنوبية لتعصف الهجمات الإرهابية بجميع المدن التركية، وجميع ذلك كوارث لا تحمد عقباها.
إن “عمى” حزب العدالة والتنمية في السياسة الخارجية أغلق على تركيا منذ زمن طويل باب المناورات الحقيقية والعقلانية للتعاطي مع أزمات المنطقة، وما بقي للشعب التركي هو اختيار كارثة من إحدى الكوارث التي صارت تحدق به.
صحيفة” بوجون” التركية