مقال نقدي أمني للواء دكتور/ شوقي صلاح، أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة
القاهرة (زمان التركية) – بداية أسجل بكل تقدير واحترام إعجابي بالمسلسل التليفزيوني المتميز جداً ” القاهرة ــ كابول” والذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، وتناول بشكل رئيسي ظاهرة التطرف الديني والإرهاب، بمعالجة درامية راقية، ومن خلال مجموعة من الممثلين المبدعين حقاً.. ومخرج اهتم بأدق التفاصيل لأداء ممثليه الدرامي.. ولقد استضافت غالبية القنوات التليفزيونية المصرية كوكبة من النقاد الفنيين للتعليق على المسلسل، وقد أجمعوا على تميز هذا العمل الفني، مع إبدائهم للعديد من الملاحظات النقدية، فالعمل الفني كأي عمل إنساني لا يخلو من أوجه للنقد، ولكن ما كان ملفتاً بالنسبة لي أن البرامج التي عرضت رؤية نقدية للمسلسل لم تستضف ــ على حد متابعتي ــ أي من خبراء الأمن، رغم أن المسلسل يعالج في جوهره قضية أمنية؛ بجانب زوايا أخرى نضعها في الاعتبار: اجتماعية ودينية وسياسية.. لذا فلعلي بهذا المقال أقدم للقراء الأعزاء موجهة نظر ذات طابع أمني، تتلخص في الجوانب الآتية:
* طارق لطفي الممثل القدير الذي يقوم بدور “رمزي ” زعيم التنظيم الإرهابي، يقوم في مقدمة المسلسل “البرومو” بإطلاق الرصاص من طبنجة على زوجته، وعينه أثناء لحظة الإطلاق ترتعش.. وهي حركة يفعلها فقط المبتدئون في استخدام الأسلحة النارية، والفرض هنا أنه يقوم بدور الإرهابي خليفة الدولة الإسلامية الذي تدرب مراراً على السلاح والقتال والقتل.. !!!
* إخراج خالد الصاوي لمسدسه، في الحلقة الأولى للمسلسل وأثناء اجتماعه بثلاثة من أصدقاء طفولته، وضع السلاح على الطاولة أمامه وفي مواجهتهم بشكل يحمل تهديداً واضحاً باستخدامه، لمجرد احتدام النقاش مع صديقه “رمزي” حركة لا يفعلها من هو في حكمته وخبرته، والفرض هنا أنه قيادة رفيعة المقام في الأمن السياسي المصري.. !!!
* الحلقة الخامسة وطفل في سن حوالي ١٠ سنوات يخرج من بوابة أحد الأندية وحده.. هو أمر معتاد لا يلام عليه عناصر أمن البوابات لأي ناد، ويفاجئنا خالد الصاوي وهو يقوم بدور عميد شرطة.. بلومه لعناصر أمن البوابة ويحملهم مسئولية خروج ابنه من النادي دون اعتراض منهم له، ثم يتبين بعد ذلك أن ابنه خرج مع صديق له.. !!!
* محاولة بائع متجول للأقلام والسبح والكتب ـــ والفرض أنه متطرف دينياً ـــ تجنيد شاب بكلية الهندسة من رواد أحد المقاهي، وليس له أية اهتمامات دينية ظاهرة، أو نقطة ضعف واضحة.. وهذا يتعارض مع منهجية تجنيد أصحاب الفكر المتطرف للشباب؛ وهو عين ما أوضحه رمزي ـــ الذي يقوم بدور خليفة الدولة الإسلامية والشخصية المحورية بالمسلسل ــ حيث أشار إلى أهم معايير اختيار الأشخاص المرشحين للتجنيد قائلاً في أحداث الحلقة الرابعة عشرة ” ابحث عن الشاب الغاضب “.
* طارق كساب الإعلامي الناجح الذي يقوم بدوره المبدع فتحي عبد الوهاب.. هذا الإعلامي الكبير فاشل في علاقته بابنه وزوجته، مثلما هو الحال بالنسبة لرمزي زعيم التنظيم الذي فشل بدوره في علاقته بابنه وزوجته أيضاً، فكلاهما دمرا علاقتيهما الأسرية.. وكأن الكاتب يقول لنا أن هذين النموذجين بالضرورة فاشلين على المستوى الأسري، لماذا.. ! وأقولها للفنان المبدع مؤلف المسلسل عبد الرحيم كمال: ليس من ضرورات الدراما محاصرة شخصيات بعينها من عدة زوايا لتحميل المشاهد صورة ذهنية سيئة تجاههم.. كما أن المشاهد سيتساءل : هل يمكن أن تتسم شخصية “رمزي” زعيم التنظيم الإرهابي الذي يقتل أقرب الناس إليه بعقيدة متناهية التطرف.. هو ذاته الشخص المحب للموسيقى والشعر بجانب رومنسيته الطاغية ـــ رغم حرصه على إخفاء هذا لاعتبارات تتعلق بوضعه التنظيمي ـــ فهل يمكن لشخص أن يجمع بين كل هذه المتناقضات !؟
* الحلقة الثامنة ولقاء الضابط خالد وجارته منال التي يحبها “رمزي” وتقول منال في حوارها مع خالد الصاوي أن رمزي اتصل بها وأعطى لها إيميل للتواصل معه، ويرد عليها بالقول أن مراقبة البريد الإلكتروني للإرهابي له إجراءات وموافقات..! هذا أمر غير منطقي فأنت تتعامل مع مصدر معلومات يمنحك مفتاح الكنز معلومات عن زعيم تنظيم إرهابي دولي.. فليس من المنطق أن تتذرع بحقوق الإنسان والمشروعية لهذه الدرجة.. فالشرطي المخضرم الذي تتاح له هذه الفرصة يجب أن يفهمها فورا وبعدها يتخذ الإجراءات القانونية.. لا تكن مثاليا في حقوق الإنسان لهذه الدرجة.. !!!
* الحلقة العاشرة وأثناء اقتحام وكر للإرهابيين وضبطهم أثناء تصنيع قنابل ومفرقعات، كان منهم من يحمل طبنجة ” – بائع الأقلام والكتب” ويوجهها لعناصر الشرطة التي تقوم بمهام الاقتحام.. لذا كان يجب على قوة الاقتحام إطلاق نيران قاتلة خاصة في اتجاه العنصر المسلح.. أما عدم إطلاق أي نيران والقبض عليهم فهذا أمر غير احترافي بالمرة، ولا يبرره أن الرسالة التي يحملها المشهد تقول أن الشرطة المصرية تتوخى أعلى مستويات حقوق الإنسان في التعامل مع العناصر الإرهابية.. كيف هذا والقانون في كل دول العالم يمنح قوة الاقتحام في الظروف المماثلة إطلاق النيران القاتلة على الإرهابي المسلح، وإذا كانت الشرطة تراعي الاحترافية والمهنية ـــ كما هو الحال لدينا وبحق ـــ فيجب عليها بعد إصابة الإرهابي أن تستدعي الإسعاف فوراً، أو تنقله لأقرب مستشفى لتقديم الإسعافات الطبية اللازمة، وبهذه المعالجة يكون المؤلف والمخرج قد وازنا بين الاحترافية الأمنية في مواجهة الإرهابي من ناحية، ومراعاة الشرطة لحقوق الإنسان ــ ولو كان إرهابياً ــ من ناحية أخرى.
* ما هو التنظيم الذي يرأسه رمزي ؟ طالما ليس القاعدة أو طالبان كما صرح هو في أكثر من موضع في المسلسل ؟؟؟ فمظهر رمزي زعيم التنظيم يأخذنا للقاعدة، خاصة وأن رمزي يشبه كثيراً أسامة بن لادن، والشيخ منير الذي يقوم بدور نائبه يشبه بقوة أيمن الظواهري، الذي كان صاحب المقام الرفيع في تنظيم القاعدة مع أسامة بن لادن، بجانب أنهما عاشا في أفغانستان معاً لفترات ممتدة.. ثم تنقلنا الأحداث وذهاب “رمزي” إلى العراق والمشهد المميز لصعوده لمنبر المسجد، بأداء يجعل ذاكرتك تستدعي فوراً مشهد مماثل لأبي بكر البغدادي، خاصة مع زي رمزي المشابه له، فهل تعمد المؤلف خلط الأوراق وبعثرتها.. أراه يريد القول أن كلهم شبه بعضهم البعض، فرغم وجود اختلافات بينهم.. إلا أن المحصلة النهائية تأخذنا إلى نتيجة مقتضاها أن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم على المستوى الفكري والتنظيمي.
* هذا ولعل أهم الرسائل التي حملها مسلسل “القاهرة كابول” وشاركه فيها أيضاً مسلسل “الاختيار” هو إبراز طبيعة أداء جهاز أمن الدولة المصري؛ الذي يعتمد بشكل أساسي على المواجهة الفكرية.. ويتضح هذا من خلال المناقشات التي كان يقوم بها الضباط بالمسلسل، وفي مقدمتهم خالد الصاوي الذي يقوم بدور العميد “عادل”؛ ففي مناقشته للمتهمين أو حواره مع أشخاص يتطلع لقيامهم بدور معين تبدو الاحترافية في مواجهته للإرهابيين والمتطرفين، والمثال الأبرز في هذا السياق : حواره مع الفنانة الرائعة حنان مطاوع “منال” جارته التي يحبها “رمزي” ابن خالتها الزعيم الإرهابي.. فبكل هدوء وبعد استدعائها لمكتبه، قام بتقديم ملف القضية المتعلقة بقتل شقيقها والمتورط فيها “رمزي” حبيبها، هنا وافقت على الفور للقيام بدور بطولي استثنائي يحمل أقصى درجات المخاطرة.. للقبض على “رمزي” وإحضاره للقاهرة، وهكذا فعل حال مناقشته للإرهابي “أسامة” الذي يقدم شخصيته باحترافية عالية الفنان “خالد كمال” واقنعه بضلوع “رمزي” في قتل شيخه “غريب زيدان” وهنا وافق أسامة على السفر للالتحاق بالتنظيم والعمل لصالح الأمن المصري. الخلاصة أن أداء ضباط أمن الدولة في معظم أحوالهم كمن يلعب باحتراف مباريات للشطرنج.. فهم نادرا ما يلجئون للمصارعة.. إلا في حالات الضرورة.