بقلم: صالح القاضي
(زمان التركية)ــ خلال فترة مكوثي في تركيا ورحلتي لتعلم اللغة التركية كنت أحرص على مطالعة جريدة زمان بصورة يومية وقد كانت أكثر الجرائد انتشارا حينها، وأكثر من كنت أستمتع بقراءة عموده كان الكاتب والروائي البارز حكيم أوغلوا اسماعيل، وذلك لما كان يتمتع به من أسلوب أدبي راق وفي نفس الوقت يتمتع بالسهولة والسلاسة.
ومنذ ذلك الحين وحتى اغلاق جريدة زمان كنت أتابع كتابات الرجل إلا أن أجبرت الجريدة على الإغلاق بعد أحداث مسرحية انقلاب الفاشل في 2016، ولم أسمع منذ ذلك الحين عن هذا الروائي الكبير سوى خلال منتصف شهر يناير من هذا العام حيث نشرت الصحف التركية خبر وفاته، وقد أحزنني الخبر حيث فقد الأدب التركي واحدا من أهم كتابه، وقررت عرفانا بالجميل أن أكتب هذه المقالة، معترفا بأن مقالة محدودة الكلمات لا تكفي للتعبير حياة الرجل ولا تستوعب بكل تأكيد حياته المليئة بالأحداث، ولكنها مجرد لمحات.
ولد حكيم أوغلو اسماعيل عام 1932 بمدينة أرزينجان وقد شهدت تلك المدينة زلزالا شديدا عام 1939 ولقي العديد مصرعهم وكان من بينهم أخيه وأخته ونجا هو ووالديه متأثرين بالجراح والآثار المادية والمعنوية، وفي عام 1950 انتقل للعيش في مدينة اسطنبول وبعدما أتم دراسته في الكلية الحربية، وخلال سنوات عمله بالجيش تلقى العديد من الفرص للدراسة في أمريكا وأوروبا الأمر الذي مكنه من معايشة الثقافة الغربية وفهمه لها بصورة كبيرة حتى أنه صرح بأن معرفته بأوروبا ومدنها عميقة فقد تجول في كثير من مدنها، ولقد كان هذا الأديب لديه شوق للعلم والمعرفة فقد تمكن من خلال الدراسة الذاتية أن يتعلم العربية والعثمانية والانجليزية.
لقد تأثر معرفيا وفكريا بالشيخ سعيد النورسي من خلال كتابه رسائل النور وكذلك من خلال لقائه بطلاب الشيخ سعيد النورسي تحديدا بداية من عام 1975، وبسبب قربه من طلاب رسائل النور فقد تعرض لمشاكل عديدة أثناء فترة عمله فقد حكم عليه مرات عديد للسجن بأمر من قائده العسكري، ولكن لأنه كان من المجتهدين والجادين في عملهم فقد حال ذلك دون طرده من السجن، كما جذبته لاحقا أفكار وأراء -المفكر الإسلامي- الأستاذ والشيخ فتح الله كولن لا سيما بعد أن تعرف عليه عام 1970، ولقد ودع العمل العسكري عام 1972، متفرغا للبحث والكتابة.
أما رحلته الأدبية فقد بدأت في عام 1967 حيث كان يكتب بصورة أسبوعية بجريدة الأتحاد، وكانت بكورة أعماله الأدبية هي رواية (عبد الله المنياوي) وتعد هذه الرواية من أكثر الروايات التركية طباعة في العصر الحديث فقد صدرت لهذه الرواية أكثر من 80 طبعة، ولكن وكما يذكر الكاتب فقد كتبت تلك الرواية في وقت كانت إمكانات الكاتب المادية في شحيحة لدرجة أنه كان يبحث في النفايات عن أوراق ليكمل كتابة روايته فيها، وقد عمل ككاتب عمود بجريدة يني آسيا في الفترة ما بين 1969-1974، وفي عام 1975 أصدر مجلة (سور) وقد تعاون مع آخرين لإخراج مجلات أخرى خلال تلك الفترة، وخلال تلك الفترة أيضا عمل على افتتاح دارا للنشر تحت اسم (دار نشرتيماش) ولا ذالت تلك الدار تعمل ويديرها ابنه حتى اليوم. واعتبارا من عام 1988 وحتى عام 2016 عمل ككاتب عمود بـ جريدة زمان التركية، وللكاتب قرابة أربعين عملا منشور وتتنوع أعماله بين الفكري والأدبي.
وقد خضع بسبب كاتباته الجريئة والناقدة لكثير من التحقيقات كما منعت رواية (عبد الله المنياوي) من النشر عام 1986، وفي عام 1992 حوكم بسبب أحد مقالاته التي نشرها في جريدة زمان بالسجن لمدة عام، وفي عام 1994 رفعت عليه دعوى تطالب بحبسه لمدة 15 عاما بسبب مقالاته إلا أن المحكمة أقرت ببرائته، ولقد تعرض الأديب أيضا لأزمات صحية كبيرة ففي عام 2002 وبينما كان في مسجد السلطان أيوب -حيث دفن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه- تعرض لسكتة دماغية نقل من جراءها إلى المشفى وبعدما استيقظ من الغيبوبة وعاد إلى بيته تعرض لسكتة دماغية ثانية وصرح الأطباء بأن نسبة نجاته هي 5 في المائة إلا أنه نجا من تلك السكتة ولكن أصيب بالشلل النصفي، وفي عام 2009 عاد إلى المشفى مرة أخرى لإجراء عملية في الجهاز الهضمي، ولقد أمضى سنواته الأخيرة في المشفى بسبب الأمراض التي هاجمت جسده وأدت إلى وفاته.