بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية) – (لقد تبدل تقويم الأشياء والنظر إلى الحوادث في وقتنا الحاضر تبدلا كليا، فالمنطق والعقلانية في مقدمة الأمور، وقد حازتا أهمية كبرى في التقويم، حيث إن الكفر والإلحاد يتكلمان باسم العلم والفلسفة. ومن هنا يضطر المسلم إلى مقابلتهم بالأسلوب نفسه، وهذا وثيق الصلة بمعرفة المسلم لثقافة عصره، وما العلم والعرفان اللذان لا ينفكان عن المسلم إلا هذا الأمر. ومن لا يعرف مجريات عصره كمن يعيش في دهليز مظلم، عبثا يحاول أن يبلغ شيئا عن الدين والإيمان إلى الآخرين، فعجلات الزمن والحوادث ستفقده التأثير إن عاجلا أو آجلا . ومن هنا فعلى المسلم أن يفهم ويبلغ ما ينبغي أن يفهم بأسلوب ملائم ومنسجم مع المستوى الفكري والعلمي والثقافي لعصره، ولعلي أجزم أن من يتمكن من تطبيق هذه النقطة يسبق الأولياء والأقطاب في الآخرة إذ يقف خلف الأنبياء عليهم السلام. نعم هذه النقطة سامية وجليلة إلى هذا الحد)
هذه من كلمات الأستاذ العالم محمد فتح الله كولن في أحد كتبه الفريدة من نوعها واسمه (طرق الإرشاد في الفكر والحياة)، وهي كلمات تتحدث في أمر أكثر من هام وحاجة الأمة إليه باتت تزداد ضرورته يوما بعد يوم، حتى أصبح حاجة ملحة ومن أولويات الأمة إن لم يكن أول الأولويات، وهو يأتي في معنى حديث رواه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).
إنه حديث ينبغي علينا أن نقف عنده كثيرا ونتفكر فيه طويلا، ونتدبره بعمق، خاصة بالنسبة لهؤلاء السادة الكرام الذين يتحدثون أو يكتبون أو يبحثون في شأن الشريعة الإسلامية.. إنها مسؤولية ينبغي أن تؤدي بأمانة وإخلاص شديدين.
فالحقيقة أن الأزمان تتغير والعصور تتبدل وفهم أمر معين يتغير من عصر إلى عصر ومن زمن لآخر، وهذا لا إشكال فيه؛ فنصوص ديننا في القرآن الكريم ليست جامدة أو قاصر فهمها على عصر دون آخر وإنما هي مرنة وشاملة ومتماشية مع سنة الله في تطور الزمن وتغير العصور، ولكن المطلوب فقط هو جهودنا في فهم النص من منطلق الواقع المعاصر.. وفي هذا الأمر يتحث الأستاذ كولن في أحد كتبه المتميزة التي وضع لها عنوان (أسئلة العصر المحيرة) في جزء من إجابته على تساؤل يقول: يقال إن شباب القرآن متجدد فما المقصود من ذلك؟
قال: إن الزمن كلما شاخ وتقدم في العمر ونضج وتكامل وقرب من أشراط الساعة ومن آخر الزمان لمعت حقائق القرآن كالنجوم اللامعة في كبد السماء بالنسبة للمحققين والباحثين، وتبنت سلامته ومتانته وعنق تعاليمه، وأصبح أكثر إقناعا لقلوب الناس. فبعبارة أخرى كلما تقدم الزمن تجدد شباب القرآن وانفتحت أبواب جديدة أمام العقل من دون تعطيل للإرادة الإنسانية وسيهتف عند ذلك الكثيرون بـ”لا إله إلا الله محمد رسول الله).













