بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية) – ليس غريبًا على من يتأمل الواقعتين الكبيرتين: الهجوم الأوكراني على القواعد العسكرية الروسية الذي شهده العالم قبل نحو أسبوع، والهجوم الإسرائيلي على إيران، أن يلاحظ أوجه التشابه بينهما. فقد اشتملت كلتا العمليتين على تسلل محسوب إلى داخل البلاد، وزرع فرق عسكرية متعددة في مواقع مختلفة وفقًا للأهداف المرجوة، إضافة إلى نشر مجموعات من المسيرات الحربية، ثم بدء العملية العسكرية على حين غرة من البلد المستهدف، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الدمار والخسائر البشرية، لا سيما في صفوف القادة البارزين.
العامل المشترك بين الواقعتين قد يكون هو الولايات المتحدة الأمريكية، ذات الصلات المباشرة بكل من أوكرانيا وإسرائيل، والتعاون الوثيق معهما. وقد أثبتت الخطة العسكرية الهجومية باستخدام المسيرات فاعليتها في الحالتين – الأوكرانية والروسية – بنسبة قد تصل إلى 100%، مما منح كلًا من إسرائيل وأوكرانيا ميزة وخطوة متقدمة في مواجهة خصميهما.
وقد تجلّى أيضًا الدور الخطير للمسيّرات التركية في المواجهة العسكرية الأخيرة بين الهند وباكستان، وهي مسألة أدركتها الهند جيدًا، رغم حرص تركيا على عدم تصدُّر المشهد، واكتفائها بالتعبير عن صداقتها الوثيقة مع باكستان.
ورغم الأهمية المتزايدة للمسيّرات العسكرية الذكية في الحروب المعاصرة – كما شهدنا في الحالة الهندية، ونشهد اليوم في الحرب الجارية بين إيران وإسرائيل – فإن فاعليتها تظل مشروطة بوجود قدرات بشرية عالية الكفاءة ودقيقة الأداء. فهذه القدرات البشرية هي التي تمكنت من التسلل إلى داخل البلاد بسرية ومهارة، وزرعت المعدات والأجهزة والأسلحة المطلوبة، وجنّدت العملاء، وحددت مواقع الأهداف ومساراتها وبرامجها اليومية بدقة، ثم نفّذت العملية في التوقيت المحدد، وغادرت بسلام.
ولا شك أن العنصر البشري يظل عنصرًا حاسمًا في كل الأحوال، فكل الأجهزة والتكنولوجيا المتطورة لا يمكن أن تعمل بمفردها، بل تحتاج إلى عناصر بشرية مدرَّبة ومدركة لدورها الحيوي. كما أن العناصر البشرية الناقمة على أوضاعها، أو الرافضة للنظام السياسي في بلادها، أو التي ترى نفسها مظلومة أو مضطهدة – وفقًا لتصوراتها – أو تطمح إلى تحقيق ثراء سريع ومريح في عالم بات عالي التكاليف كثير المطالب، قد تشكّل مصدر خطر كبير على بلدانها إن تم تجنيدها أو شراؤها.
فمثل هذه الخيانة الشخصية قد تفسّر العديد من العمليات الغامضة، التي أدّت إلى اغتيال عدد من الشخصيات البارزة التابعة لدول مختلفة، مثل قادة “حماس” في لبنان وإيران، وقادة إيرانيين في الداخل والخارج.