القاهرة (زمان التركية)ــ قال الرجل بتأثر: كنت قد وصلت لتوي إلى تشيلي -قبل بضع سنوات- ولم أعرف على وجه التحديد ماذا يمكنني أن أعمل من نشاط قد يستحسن أن أعمل فيه.
فأخذت بالأقرب أو ما تصورته في حينه أقرب إلي، فافتتحت مطعمًا للمأكولات العربية المعروفة وألحقت به مجلسًا عربيًّا.
وكانت الإجراءات الحكومية يسيرة سهلة فلما أجد عائقًا ولا مانعًا من مزاولة نشاطي التجاري، كما لم أشعر لحظة بتفرقة أو عنصرية. فالكل واحد، والكل محترم وله حدوده الآمنة ما دام يراعى حدود الدولة وحدود القانون وحدود الآخرين. وقد هبطت على قلبي سكينة المكان، فكنت مطمئنا إلى عملي أروح وأجيء وأفكر فيما هو قادم.
وأردت أن استقدم بعضًا من أهلي من مصر ليعملوا معي، فلم أجد حرجًا في ذلك ولا عنتًا ولا صعوبة. وجاء إخوتي وصاروا إلى جواري في أقصر وقت ونحن فرحون. وفي صباح يوم ما قصدت إلى مطعمي فإذا هو مفتوح مفسوخ وقد نهبت أرجاؤه وكسرت خزينته وترك لرياح الشتاء تعبث بأبوابه وتتقاذفها يمنة ويسرة.
كانت صدمة كبيرة لي، ولكن صدمتي لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما تواجدت السلطات التشيلية في خطى ثابتة حثيثة وقامت بعمل اللازم دون إزعاج يذكر دون كلفة. وأسرعت بالاتصال بشركة التأمين واطلعتها على ما حدث وما جد، فحضر مندوب الشركة وعاين وقدر ثم انصرف وأنا اتوجس خيفة من مقبل الأيام .
لم يمض وقت طويل حتى اتصلت بي شركة التأمين المعنية مشكورة مجددًا، ولكن هذه المرة لتخبرني بالموافقة على صرف التعويضات اللازمة فسررت أيما سرور وذهب عني الهم والحزن. فلما نظرت إلى مطعمي -طوال فترة إغلاقه- رأيت أن أغير من نظامه، فعدلت عن نظام المجلس العربي الى نظام شبابيك البيع المتعددة داخل المطعم لأقتصد في نفقات الإدارة وتكلفة العمل. فقد كان المجلس العربي يحتاج وحده الى عناية خمسة أشخاص لا حاجة للمطعم إليهم في ظل نظام العمل الجديد. وقبل أن أشرع في الأعمال اللازمة في المطعم، فوجئت باتصال من الضرائب التشيلية فسقط قلبي بين قدمي خوفًا من مطالبة ضرائبية جديدة تثقل كاهلي وتكبل خطواتي. ولكن المتصل أسرع الى طمأنتي قائلًا: نعلم بما مر بك من حادث السرقة، ونعلم أنك تسدد ما عليك من ضرائب بانتظام، ولذا فقد قررت الضرائب أن ترد إليك جزءًا مما سبق لك أن سددته إعانة لك على بداية جديدة، فالحياة إنسانية وكما نأخذ منك نعطيك .