أنقرة (زمان التركية)- أثار رصد طائرتين مسيرتين في الأجواء التركية خلال أسبوع واحد تساؤلات ملحة حول مدى جاهزية أنظمة الدفاع الجوي لمواجهة هذا النوع من التهديدات “الجديدة”. فبعد إسقاط مسيرة قادمة من جهة البحر الأسود، عُثر على مسيرة أخرى في منطقة “كوجالي”، مما وضع القدرات الدفاعية التركية تحت مجهر الفحص والتحليل.
وأعلنت وزارة الداخلية التركية رصد طائرة مسيرة من طراز “Orlan-10” روسية الصنع، مخصصة لأغراض الاستطلاع والمراقبة، في ضواحي منطقة “إزميد”.
ويأتي هذا الاكتشاف بعد أيام قليلة من قيام المقاتلات التركية بإسقاط مسيرة مجهولة الهوية انتهكت المجال الجوي في 15 ديسمبر، وهو ما دفع وزارة الدفاع لنفي وجود أي “ضعف أمني”، مؤكدة أن التعامل مع المسيرة تم بشكل مدروس ومسيطر عليه.
ويربط المحللون هذه الحوادث بالسياق الإقليمي المتفجر؛ فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تحولت المسيرات إلى سلاح حاسم، وشهدت أوروبا ما يشبه “غزو الدرونات” في أواخر عام 2025.
ويرى البروفيسور “سرحات غوفينتش” أن التكتم الرسمي على هوية المسيرة الأخيرة يختلف تماماً عن نبرة الحزم التي سادت عند إسقاط الطائرة الروسية عام 2015، مما يفتح الباب أمام فرضيتين: إما أنها “رسالة سياسية” من موسكو لأنقرة، أو أنها مجرد طائرة ضلت طريقها أثناء تنفيذ مهمة قتالية.
ويثير مسار الرحلة الذي اتخذته المسيرة الأولى —من فوق البحر الأسود وصولاً إلى عمق الأناضول بين “تشانقري” و”إلما داغ”— تساؤلات تقنية؛ حيث يتساءل الخبراء: لماذا انتظر الدفاع الجوي كل هذه المدة لإسقاط هدف بطيء لا يتجاوز سرعة الصوت؟ وهل تم رصده في الوقت المناسب؟
هذه الشكوك دفعت السلطات لتوضيح أن التأخير كان لضمان إسقاط الهدف في منطقة غير مأهولة بعيداً عن السكان.
تشير الدكتورة “زينب شارتبه” إلى أن المسيرات الصغيرة (Micro/Mini) التي تحلق على ارتفاعات منخفضة تشكل تحدياً أكبر من الصواريخ البالستية لصعوبة رصدها رادارياً. وتؤكد أن الحل يكمن في “الدفاع متعدد الطبقات” الذي يجمع بين الحرب الإلكترونية والرادارات المتطورة، مشيرة إلى ضرورة حل “مفارقة التكلفة”؛ أي تجنب استخدام صواريخ باهظة الثمن لإسقاط درونات رخيصة.
وفي مواجهة هذه التهديدات، تعول تركيا على مشروع “القبة الفولاذية” (Çelik Kubbe) الذي تمت الموافقة عليه في أغسطس 2024، ويهدف لدمج أنظمة مثل “إيختار” و”شاهين” و”غوكبيرك” في بنية دفاعية واحدة.
ومع ذلك، تنتقد المعارضة، على لسان “يانجي باغجي أوغلو”، تأخر إطلاق هذا المشروع لسنوات، مشيرة إلى أن دولاً مجاورة تمتلك أنظمة دفاع متكاملة منذ عقود، بينما لا تزال مشاريع حيوية مثل مدمرة الدفاع الجوي (TF-2000) تعاني من تأخيرات طويلة.
ختاماً، يبرز دور حلف “الناتو” كلاعب أساسي في هذه المعادلة. فبينما توفر تركيا جزءاً كبيراً من “الصورة الجوية والبحرية” للحلف في البحر الأسود، يرى الخبراء أن تكرار اختراق المجال الجوي ليس شأناً تركياً فحسب، بل هو تحدٍ أمني للحلف بأكمله، يتطلب تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية وتطوير برامج دفاعية مشتركة لمواجهة عصر “حروب المسيرات”.



















