هنا قرية “كُرُوجُكْ”، بادية من بوادي مدينة أرضروم الجميلة، هنا لم يزل دَمٌ عربي يتناسل محملاً بأحزان التاريخ وأفراحه.. دَمٌ لم يزل عَبَقُ النبوة يفوح من بين شرايينه، يُوَثِّقُ بزهوره الجريحة انتسابَه إلى آل بيت رسول الله، عليه الصلاة والسلام.. دمٌ لم يزل يحمل أشجان النـزيف الذي كان، وصرخات التقتيل والتشريد..! كانت نَسَمَةٌ من نور، تتنقل مكنونةً بين أصلاب آل كُولَن منذ أمد بعيد.. ولم يُقَدَّرْ لها أن تشرق على عالم الدنيا، إلا بعد انسلاخ أكثر من ثلث القرن الميلادي العشرين. كانت الأرض ساعتها قد ارتدَّت على أدبارها، وبلغت من جاهليتها ما كاد ينذر بخروج الدجال الأكبر!
كانت الريح قد هبت هذه المرة غربية العروق! وانطلقت من جبال الكفر القارس! مسلحة بمخالب الذئب الأغبر، وأنياب سباع الاستعمار، وسموم أبناء الأفاعي.. فاكتسح الموت الأزرق كل مدائننا، وجعل أشلاء جسومنا مِزَقًا…!
حتى كان اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر، من سنة 1938م.. حيث كان السيد “رَامِز كُولَنْ” على موعد مع الرحمة الإلهية، إذ وُلِدَ له “محمد فَتْحُ اللهِ كُولَنْ“!.. وبمولده وُلِدَ معنى جديد للحياة في بلاد الأناضول! فقبل هذا اليوم بيوم واحد فقط، كان قد مات “أتاتورك”! ثم نشأ “فتح الله” بعده يتدرج بمنازل الفتح، عبر حياة غير عادية تماما! حياة تملؤها أحوال عجيبة من مشاهد الغرابة، ومنازل شتى من ضروب المجاهدات الروحية، والبطولات الجهادية، تُذَكِّرُ بكرامات الأولياء الكبار، وأمراء القصص والأساطير، وأبطال التاريخ القديم!
ولم يكد الفتى يصل سن البلوغ، حتى احتضنته المساجد العثمانية في كل مكان، وخفقت قبابها بنشيجه العميق! وبدأت الطيور والعصافير تأتم به في صلاته وأذكاره! ثم انطلقت النوارس تحمل أصداء بكائه إلى كل بلاد الأناضول، فتوقظ الأنفس الوسنى، وتحرر الأرواح السجينة من قماقم الفخَّار! ولم يزل يرتقي بمنازله حتى حَدَّثَتْهُ الحوادثُ بلغة الإشارات، وألقت إليه الحمائمُ بالنُّذُرِ والبِشَارَات! ثم تدفق البوسفور من بين أصابعه جداولَ من نورٍ تسقي كل العالم!
كل الإشارات إذن تدل على أنه هو!.. فهذا صاحب طريقك يا قلبي.. فابحث عن كلمة السِّر أنَّى تلقَّاها وكيف؟ وفيمَ ألْقَاهَا ومتى؟ عساك تفوز بفك رموز رؤياك القديمة! ففتْح الله له سِرٌّ ليس يبوح به، ولكنك لو تصادف من صحبته “وَقْتًا” تتلقى منه إشارة! وفتح الله رجل له “أوقات”..! فاصحبْ ظِلَّهُ يا صاحِ تَرَ عجبًا! فإنك إنْ تَعْثُرْ على بذرة الدُّلْبِ تملكْ غابتها! فاصبر على نَصَبِ الطريق وانطلقْ!
من موقع الأستاذ فتح الله كولن