زمان عربي – تحليل
إسطنبول (زمان عربي) عاشت تركيا منعطفا هاما مع حزب العدالة والتنمية. حيث ظهرت فيها إصلاحات ديمقراطية سريعة، وتحسن الاقتصاد بسرعة. وكانت تركيا تعيش ربيعا حقيقيا وتُعد مثالا يحتذى بالنسبة لدول الشرق الأوسط. لكن ما إن كُشف اللثام عن تورط الحكومة في عمليات فساد في 17-25 ديسمبر 2013 حتى تبين بوضوح أن تركيا لم تكن تُدار بشكل صحيح.
فتلك العمليات أسقطت عن العدالة والتنمية قناعه الذي كان يُظهره منذ تأسيسه على أنه ديمقراطي يحترم القانون ويكافح الفساد، وأنه إصلاحي تعاوني يتبنى الأكثرية وأنه مناصر للمجتمع المدني.
فبعد هذا التاريخ، ظهر حزب مختلف وزعيم مختلف، حيث نكث بعهوده وبياناته وتنكر لهويته السابقة. وظهر شخص رفض كل ما ادعاه في البداية واتخذ موقفا معاكسا لما كان عليه، وأخذ يعمل على ترسيخ مبدأ الحزب الواحد كما كان يجري في الثلاثينيات.
فقد تم تعطيل كل الأسس الديمقراطية والقانونية إلى أجل غير مسمى. وبدأت مرحلة أشبه بقانون الطوارئ، وتم الإعلان عن الأحكام العرفية. وتعرض رجال الشرطة لتغيير أماكنهم أو الإقصاء والنفي والتفتيت.
وبات المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين مرتبطا بجهة سياسية هي وزارة العدل، كما تم انتهاك مبدأ استقلالية القضاء. هذا وقد مُنحت المخابرات صلاحيات واسعة في 2014، ووُضع قانون يحول دون مساءلتها.
عندما تسلم حزب العدالة والتنمية زمام الحكم في 2002 كان زعيمه أردوغان يعترف بوجود مشكلة كردية ويعمل على حلها. ولكن ما إن أصبح رئيسا للجمهورية تناسى ما قاله في السابق، وقال: “لا توجد مشكلة كردية”.
ولا شك في أن نجاح العدالة والتنمية في الانتخابات كان يعتمد على مناداته بـمكافحة الفساد والفقر والمحظورات. ولكن هذا الحزب ولا سيما أردوغان اتخذ من مكافحة الفساد استراتيجية له، إلا أن اسمه أضحى يُذكر مقرونا بالفساد. حيث أدخل تركيا في مستنقع الفساد.
ففي 17-25 ديسمبر كشف النقاب عن أكبر عمليات فساد ورشوة في التاريخ التركي. إلا أن العدالة والتنمية بدلا من التحقيق في الموضوع أخذ يعتم ويتستر عليه. وبدأت مناهضة الذين يكافحون الفساد. وتمت تصفية الآلاف من رجال الشرطة والزج بهم في السجون في حين تمت مكافأة المفسدين.
وغدت مكافحة المحظورات التي تضيق دائرة الحقوق والحريات حبراً على ورق، وأصبحت تركيا بلد المحظورات. وارتفعت نسبة الفساد إلى أعلى مستوياتها في تاريخ الجمهورية التركية.
حين تسلم العدالة والتنمية زمام الحكم في تركيا كانت أكثر المؤسسات التي انتقدتها هي مجلس الأمن القومي؛ لأنه ينافي المعايير الديمقراطية في البلاد. ولكن أردوغان بعد تسلمه رئاسة الجمهورية بدأ هذا المجلس بانتهاك الدستور أيضا، وأخذ يضرب الديمقراطية بيد من حديد.
وبدأ أردوغان باستخدام “الكتاب الأحمر” (الدستور السري) ضد الجماعات الدينية وهو كتاب استخدم لسنوات طويلة ضد الفئة المحافظة. وأصبح يتهم الجماعات الدينية التي لا تروق له بأنها منظمات إرهابية غير مسلحة ويذكرها في الكتاب الأحمر.
وهكذا بدأت مرحلة الانقلاب المدني فعليا في تركيا

















