طه أكيول
لا شك في أن كلاً من الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في سفينة حزب واحد؛ يسيران على درب واحد وتحت سقف أهداف واحدة إلا أن بينهما بعض الاختلافات في الرؤى، وهذه حقيقة، وإن لم يعلنا عنها صراحة للرأي العام. ولعل الاختلاف أو الفارق الأكثر خطورة هو ضمان تحقيق هدف أردوغان في تحويل النظام السياسي في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي. سمعتُ ذلك من بعض الأكاديميين الذين قد التقوا كلّاً منهما بشأن موضوعات الدستور والنظام؛ ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عازم على “نظام رئاسي بنمط أو نكهة تركية”، غير أن داود أوغلو يُبدي عدم رغبته في ذلك وإن كان لم يصرّح بذلك علنًا في اللقاءات الخاصة، لدرجة أنه عند الحديث عن صعوبات تغيير النظام الحالي قال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ما معناه “أخبروا القيادات العليا أيضًا بذلك”، قاصدًا أردوغان. وإذا أمعنّا النظر في خطابات داود أوغلو أمام الرأي العام يمكن أن نلحظ هذه الاختلافات.
الدستور الجديد
لما وجّه الكاتب الصحفي التركي مليح ألتين أوك للرئيس أردوغان خلال استضافته في برنامج على الهواء مباشرة سؤالا حول ما إذا كان يتم الدعاية والتأكيد على النظام الرئاسي بما فيه الكفاية في الحملة الانتخابيّة للعدالة والتنمية، رد أردوغان قائلا “لا يمكن القول بأنه يتم الترويج والتأكيد على نحو كاف”.
أجل! إن النظام الرئاسي مجرد قضية ثانوية عابرة في أعمال الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ولعل اللافت في كلمة داود أوغلو التي دعا فيها إلى ضرورة صوغ دستور جديد عقب الانتخابات البرلمانية هو قوله “لنجلس سويًّا ولنحاول أن نقوم بشيء لم يتم تنفيذه حتى الآن؛ وهو دستور مدني. يحترم مبدأ فصل السلطات ومفهوم الحرية المرتكزة على شرف الإنسان. وهناك قضية النظام الرئاسي ولكننا لن نفرض ذلك على أحد. على الجميع أن يخرج ما في جعبته ولنضع جميعا أسس دستور جديد معقول قادر على التواصل مع الجميع. (31 مايو/ حزيران).
من الأهمية بمكان أن يؤكّد داود أوغلو على مبدأ “الفصل بين السلطات” وقوله عن النظام الرئاسي “لن نفرض على أحد ذلك”.
محدود ومتوازن
من المؤكد أن رئيس الوزراء داود أوغلو يرى أنه لن يخرج من الصندوق أغلبية حزبية قادرة على صوغ دستور جديد، إلى جانب قناعاته الأكاديميّة حول النظام الرئاسي. إذ إن احتمال تشكيل برلمان من أربعة أحزاب يبدو قويًّا. كما أنه يبدو من الصعب جدًّا حصول العدالة والتنمية على 330 مقعداً في البرلمان في هذه الانتخابات التي تذمر فيها أردوغان قائلا “هناك حالة من الخمول واللامبالاة”.
وكما أن “القوة المفرطة” في الديمقراطيّات تواجه دوما بقلق وتخوفات، فهي في الوقت ذاته تخالف مبادئ “الحكم الرشيد”؛ ذلك أن الضوابط والتوازنات والرقابة هي من مبادئ الحكم الرشيد. لذا يتعيّن أولا القدرة على مراقبة السلطة وتوازنها.
ثانيًا؛ إذا أسفرت الانتخابات القادمة عن حكومة ائتلافيّة فسيكون من الصعب جدًّا تشكيل حكومة قادرة على نيل الثقة. ثمّ مَن سيتحالف مع مَن؟
ينص الدستور التركي على أنه إذا استمرت أزمة تشكيل حكومة لمدة 45 يوما يقرر رئيس الجمهورية عقد انتخابات مبكرة. إن تركيا ليس لديها ما تكسبه من “ديمقراطية غير ليبرالية” لا تسمح للأقلية بمراقبة الأغلبية وتعديلها، ولا من “ديمقراطية غير قادرة على الإدارة” لا يمكن للبرلمان أن يشكل منها حكومة.
ما بعد الانتخابات؟
إن لم تتشكل حكومة ائتلافيّة، واستطاع العدالة والتنمية البقاء في الحكم منفردًا مع خسارة أصوات ومقاعد برلمانية، فلا شك أنه سيضطر إلى التعامل بحذر وبشئ أكثر ليونة مع قوى المعارضة من أجل استصدار قوانين، علمًا بأنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا بملاءمة جميع السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) مع التزامات واتفاقيات وأعراف النظام البرلماني.
كما أن المشهد الراهن يُظهر أنه لن يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يقوم بصوغ دستور وحده. ولا شك في أن الأكاديمي داود أوغلو يرى هذه الحقيقة الموضوعيّة التي تجعله يقول “لا يمكن فرض ذلك على أحد”، ثم رغبته في صوغ دستور “معقول قادر على التواصل مع الجميع”، وهو ما يعكس وجهة نظره المختلفة مع النمط الذي ينشده أردوغان.
والمشكلة الماثلة أمامنا الآن هي؛ عقب هذه الاستقطابات والنزاعات هل سنعود بعد الانتخابات إلى فضيلة التصالح التي تشكل جوهر النظام البرلماني ومبدأ السلطة المحدودة؟

















