بقلم: علي بولاج
تكاد أجندة تركيا لا تخلو يوما واحدا من الحديث عن حركة” الخدمة”، حيث توجه إليها تهُم “نصب مؤامرة ضد الحكومة لصالح جهات أجنبية، وتشكيل تنظيم موازٍ داخل هيكل الدولة، وجمع معلومات ووثائق وتسجيل مقاطع مصورة بشكل مخالف للقانون، ومخالف للأخلاق في الوقت نفسه، واستخدامها كوسيلة للابتزاز”.
ولا ريب في أن هذه الاتهامات أقوال لا يمكن قبولها من حيث ماهيتها، ولم يبرهن أحد على صحتها بأدلة واقعية حتى اليوم، ولم تُقدَّم أدلة ووثائق مقنعة حول ثبوتها فعليًا، وقد رفض المتحدثون باسم” الخدمة”، وفي مقدمتهم الأستاذ فتح الله جولن، هذه الاتهامات جملةً وتفصيلًا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أؤمن بوجود عملية دولية “مدعومة من الداخل” في تركيا والشرق الأوسط، تهدف لإخراج الكيان الإسلامي بالكامل من الساحة العامة ودفعه بالطرق الصارمة للجوء إلى الفضاء الخاص والهامشي والإضافي، وتتولّى “زمرة صغيرة” داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم دورًا فعالًا داخل كيان إدارة الحزب، هذه الزمرة أشعلت فتيل العملية بالهجوم على حركة” الخدمة”، التي فوجئت بها، كما أن الجماعات الدينية الأخرى وحزب العدالة والتنمية أيضًا يدخلون ضمن نطاق هذه العملية.[/box][/one_third]وترى حركة” الخدمة” أن الحكومةَ تطبق مخططًا من أجل “القضاء عليها، منذ عام 2004، وتدافع عن نفسها من خلال الإعلام وسائر القنوات الأخرى. وإن لم تُلفَّق أدلة ووثائق مزورة، فإن الدليل الوحيد الذي يمتلكه متّهمو الحركة هو “المعارضة” و”الصيحات” الصادرة عن الإعلام المقرّب من الحركة.
لقد فعلتُ ما بوسعي حتى لا يتضخم الخلاف الذي ذكرته آنفًا ويتسبب في حدوث فرقة بين المسلمين، ولم تكن هذه المسألة لتكبر وتتفاقم لهذه الدرجة لو كان الأساتذة والكتاب وأصحاب الرأي الذين أؤمن ببصيرتهم قد أخمدوا “نار الفتنة”، وطبقوا “نظام الحَكَم” الذي يأمر به الإسلام عند الاختلاف، وما آمله الآن أيضًا هو أن نتخطى، نحن مسلمي هذا البلد، هذه المعاناة بأقل الخسائر الممكنة.
وبسرّ الآية الكريمة: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)، فإن ما ظاهره القهر يمكن أن ينطوي على كثير من الخير، لذلك ينبغي للجميع أن يستخلص العبر من هذه الواقعة الدراماتيكية، وأنا أؤمن بأن أتباع حزب العدالة والتنمية سيستخلصون الدروس اللازمة من هذا الحدث، كما أن حركة” الخدمة” ستفكر عميقًا في هذه التجربة التي خاضتها.
يسألني بعض القراء: “لماذا لا أنتقد حركة” الخدمة” كما أنتقد حزب العدالة والتنمية، وهل” الخدمة” بريئة من أي شيء يحدث؟ والإجابة كالتالي:
1- لا يسلم أي نشاط بشري من الخطأ، فالإنسان يخطئ! ولم يُعصم أحد من الخطأ سوى الرسل والأنبياء.
2- بحسب هذا المبدأ فإن حركة” الخدمة” أيضًا معرضة لارتكاب الأخطاء، وإن راجعت الحركة أخطاء اليوم والمستقبل بدقة واستخلصت منها العبر؛ فستواصل طريقها بنجاح.
3- يمكننا أن نتحدث عن بُعدين منفتحين على الانتقاد لدى حركة الخدمة، أحدهما “رؤيتها الدينية، ومفهومها عن الإسلام والخدمة”. والآخر “موقفها الاجتماعي والسياسي”، فالمسألة سياسية، ويمكن كذلك مناقشة الرؤية الدينية للخدمة، لكن هذه ليست مهمة السياسيين وكُتّاب الأعمدة الذين لا يملكون القدر الكافي من المعرفة لمناقشة مثل هذه الرؤية، وعندما ننتقل للحديث عن موقف الخدمة الاجتماعي والسياسي، أقول:
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن انتقاد الأخطاء التي وقعت فيها حركة” الخدمة”، وهي على وشك أن تُذبح، هو بمثابة مساعدة للجزارين الذين يقدمون الأضاحي للآلهة القومية والعالمية، وكما أن انتقاد حزب العدالة والتنمية، عندما رفعت ضده دعوى تهدف لإغلاقه عام 2007 كان سيصبح دعمًا لأصحاب هذه الدعوى، فإن انتقاد” الخدمة” اليوم هو الأمر نفسه. لكن يمكننا توجيه النقد الخفي لها، وستوجه لها الانتقادات العلنية عندما يحين وقتها، بل يجب القيام بذلك.[/box][/one_third]عبرت عن أفكاري وبعض انتقاداتي حول الخدمة في كتابي “الدين، المدينة والجماعة: نموذج فتح الله جولن” (إسطنبول: 2007) ، ووجهة نظري حول هذا الموضوع باقية، وأنا لا أنتقد حركة الخدمة اليوم لسببين اثنين:
الأول: أؤمن بوجود عملية دولية “مدعومة من الداخل” في تركيا والشرق الأوسط، تهدف لإخراج الكيان الإسلامي بالكامل من الساحة العامة ودفعه بالطرق الصارمة للجوء إلى الفضاء الخاص والهامشي والإضافي، وتتولّى “زمرة صغيرة” داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم دورًا فعالًا داخل كيان إدارة الحزب، هذه الزمرة أشعلت فتيل العملية بالهجوم على حركة” الخدمة”، التي فوجئت بها، كما أن الجماعات الدينية الأخرى وحزب العدالة والتنمية أيضًا يدخلون ضمن نطاق هذه العملية. وباختصار، فإن القوى الدولية تخلّت عن “الإسلام المعتدل”، وتدير حاليًا عمليات انقلابية ضد المتدينين بأيدي الدول القومية، وهناك وتيرة عامة تسير من دول الخليج العربي إلى مصر وتركيا.
الثاني: أن انتقاد الأخطاء التي وقعت فيها حركة” الخدمة”، وهي على وشك أن تُذبح، هو بمثابة مساعدة للجزارين الذين يقدمون الأضاحي للآلهة القومية والعالمية، وكما أن انتقاد حزب العدالة والتنمية، عندما رفعت ضده دعوى تهدف لإغلاقه عام 2007 كان سيصبح دعمًا لأصحاب هذه الدعوى، فإن انتقاد” الخدمة” اليوم هو الأمر نفسه. لكن يمكننا توجيه النقد الخفي لها، وستوجه لها الانتقادات العلنية عندما يحين وقتها، بل يجب القيام بذلك.
وهناك أمر آخر، وهو أن الدعم الذي أقدمه لحركة” الخدمة” هو واجبي الأخلاقي، فهذه الصحيفة التابعة للحركة قدمت لي فرصة التعبير عن أفكاري، وهذا عرفان بالجميل، وإذا كان حزب العدالة والتنمية أو حركة الفكر الوطني أو جماعات النور أو السليمانيين أو الجماعات الدينية الأخرى في تركيا في الموقف نفسه، لما ترددت في تقديم الدعم ذاته، هذا فضلًا عن أنني وقفت بجانبهم في جميع الظروف الحالكة، ولا أريد أن تتضرر” الخدمة” أو يتضرر حزب العدالة والتنمية، والآن توجد وضعية مأساوية وظلم بيّن، وسنكمل الحديث في هذا الموضوع في وقت لاحق إن شاء الله.
جريدة” زمان” التركية