وصلنا إلى الجزء الثالث من الملف الذي تناول رجل الأعمال تركي الجنسية وإيراني الأصل رضا ضراب، الذي يعتبر من أبرز ركائز قضية الفساد والرشوة التي جرى الكشف عنها في تركيا يوم 17 ديسمبر / كانون الأول الماضي، ورجل الأعمال الإيراني بابك زنجاني، شريك ضراب في إيران. والتقينا في هذا الجزء الناشطَ والصحفي والاقتصادي المعروف الدكتور فؤاد صادقي الذي يعمل بشكل قريب جدًا من القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي.
يعتبر الدكتور صادقي خبيرًا لا يبخل بأي كلمة أو معلومة لديه. وهو لا يلقي بالًا للجوء للطرق الملتوية والأحاديث المستترة التي تعشقها الثقافة السياسية الإيرانية. ونرغب من الدكتور صادقي أن يرسم لنا إطار الفساد وغسيل الأموال والرشوة في إيران. فيقول “إن رجل الأعمال بابك زنجاني يعتبر أداة تستخدمه السياسة الإيرانية المعقدة في أوقات الأزمات… وهو تاجر حصار…
وقد كانت إيران في الواقع تحت الحصار منذ الثورة الإسلامية، لكن خلال عامي 2012 – 2013 على وجه الخصوص تشكّل اقتصاد حصار جديد. وكان أساس هذا الاقتصاد الجديد هو تلبية احتياجات إيران من خلال الشركات الخاصة العاملة في الخارج لوقوع البلاد تحت الحصار الاقتصادي”.
ويلفت صادقي انتباهنا إلى نقطة حيوية خاصة بهذه التجارة التي فتحت الباب أمام الأنشطة التجارية غير المشروعة وغسيل الأموال في إيران، فيقول “إيران لم تبِعِ النفط إلى السماسرة، بل استخدمتهم فقط من أجل عملية البيع. وهم لم يحصلوا إلا على عمولاتهم في مقابل إتمام البيع. وكانت دولة إيران هي من يقوم بالتجارة.
وقد شهدت تلك الفترة عملية فساد كبيرة. ويقول نائب رئيس الجمهورية جهانكيري إن حجم الأموال التي لم تحصَّل تبلغ نحو 20 مليار دولار أمريكي، وأرى أن حجم الأموال أكبر من ذلك بكثير جدًا. وكان يجب أن تتدفق هذه الأموال إلى إيران بواسطة أشخاص مثل ضراب وزنجاني. لكن هذا الأخير دخل السجن لأنه لم يسدد أموال بيع النفط”.
ويزودنا صادقي بمعلومات مثيرة حول العلاقة السرية التي تربط بين زنجاني وضراب، والتي كانت مصدر جدل كبير منذ فتح ملف الفساد لكليهما. ويضيف “يعتبر رضا ضراب صرّافَ بابك زنجاني. حيث تولّى ضراب عملية تبييض الأموال التي كسبها زنجاني من بيع النفط الإيراني. وقد سار المخطط على النحو التالي: سُمح لإيران بأن تصدر نفطها خلال فترة الحصار إلى تركيا والصين والهند وكوريا الجنوبية.
وقامت إيران ببيع النفط إلى تركيا من خلال بنك خلق الحكومي التركي، أي أن الأموال المحصلة من بيع النفط أودعت في هذا البنك. وكانت مهمة ضراب هي نقل هذه الأموال إلى إيران بطريقة أو بأخرى. وقد حول ضراب في هذه المدة مليارات الدولارات، وحصل على عمولات كبيرة. لكنه لم يتدخل في مسألة بيع النفط. وأما زنجاني فقد لعب دورًا في عملية البيع، وشكّل شبكة فساد كبيرة. وحصل على 200 سفينة محملة بالنفط من إيران، لكن لا أحد يعلم ماذا فعل بهذه الكمية المهولة من الذهب الأسود”.
تركيا حصلت على عمولة بواقع 5% من النفط الذي اشترته من إيران
ويردف صادقي أنه يجب تقديم ضراب إلى العدالة في إيران بسبب تحويله للأموال الناتجة عن بيع النفط. ويرى صادقي أن الفساد الأساسي في هذا الملف متعلق بتركيا والحكومة التركية. ويوضح حقيقة هذا الأمر كالتالي “تعطي إيران عمولات بواقع 5% من بيع النفط إلى الصين أو كوريا الجنوبية أو الهند. والهدف من ذلك هو ضمان استلام إيران هذه الأموال. وتحصل هذه البلدان على عمولة قدرها 2% من الأموال المودعَة في الحسابات المصرفية الرسمية.
وأما الأموال المتبقية فتحوَّل إلى إيران بطريقة ما عبر المصارف أو الشركات الخاصة أو الصرّافين الذين يحوّلون الأموال. وتشير المعطيات التي لدينا إلى أن تركيا تحصل على عمولة قدرها 5% من الأموال المودعَة في بنك خلق. وقد غضّت هذه الدول التي تشتري النفط الإيراني الطرفَ عن تحويل الأموال إلى طهران من أجل مصالحها. وعلى سبيل المثال لا توجد مشكلة كبيرة في الصين. ذلك أن الصين تحوّل الأموال إلى إيران بطريقة مباشرة دون الحاجة إلى وسطاء مثل ضراب. وتحصل الحكومة في هذه الحالة على العمولة. وأما في تركيا فقد ظهر أن الأموال التي كان من المفترض إلى تودَع في خزينة الدولة أودعت في حساب المسؤولين الحكوميين”.
لا يمكن ألا يكون ضراب مقربًا من المخابرات الإيرانية
يشير صادقي إلى أن أقاويل تدعي أن نسبة العمولة التي تحصل عليها البلدان والوسطاء في هذه الفترة التي تشهد حصارًا اقتصاديًا على إيران ارتفعت من 5 إلى 20%، موضحًا أنه لهذا السبب يجري اختيار الوسطاء من بين الشخصيات المقربة كثيرًا من مراكز القوى في الدولة. ويشرح حقيقة هذا الأمر بقوله “ليس من القانوني أن تحصل إيران على مستحقاتها من بيع النفط عبر وسطاء وسماسرة مثل ضراب وزنجاني. ذلك أن هؤلاء الوسطاء ما هم إلا تجار حصار. ولديهم جميعًا علاقات مقربة من جهاز المخابرات الإيراني. وكان زنجاني صديقًا مقربًا لحيدر صالحي وزير الاستخبارات الإيراني في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وكانت تربطه علاقات وطيدة بأعضاء الحرس الثوري. وكان ضراب هو الآخر جزءًا من هذا النظام. ولا يمكن ألا تكون لديه علاقة بالمخابرات أو الحرس الثوري”.
جميع عمليات الفساد تُدار في إطار 80 مليار دولار من أموال إيران
طرحنا سؤالًا على صادقي مفاده “ما الذي يحصّن ضراب في الوقت الذي ألقي فيه القبض على زنجاني؟”، فأجابنا والابتسامة تعلو وجهه “يمكن أن يكون ضراب قد قدم رشاوى لأربعة وزراء في إيران على الأقل. ذلك أننا حصلنا على معلومات مفادها أن السلطات الإيرانية أصدرت تعليمات للوحدات ذات الصلة تقول إن جميع الأموال ستصل إيران عبر ضراب. وعلى الأقل كان لدى البنك المركزي الإيراني تعليمات بخصوص ضراب. وربما كان محميًا في إيران لهذا السبب.
فنحن نتحدث عن أموال ذات صلة ببيع النفط تقدر بـ80 مليار يورو. وحتى عمولة هذا المبلغ تصل إلى 5 مليارات يورو، وهو مبلغ ضخم. وقد استُخدم جزء من هذا المبلغ في تركيا، وجزء آخر في إيران. وعليه، فإن هذه الأموال توفر لضراب الدعم والحماية”.
إيران إذا طلبت أموالها من تركيا ستضع حكومة أردوغان في موقف صعب
يعتقد صادقي أنه في حالة التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن رفع الحصار الاقتصادي المفروض على إيران، فإن قضية الفساد المتعلقة بأموال النفط الإيراني ستكون مشكلة كبيرة بالنسبة لحكومة أردوغان في المقام الأول. ويقول “يبدو أن الحكومة التركية حصلت على أموال طائلة من وراء بيع النفط الإيراني.
وربما تطالب إيران رسميًا باسترجاع هذه الأموال. وبطبيعة الحال لن يرجع رضا ضراب هذه الأموال المقدرة بنحو 10 مليارات دولار إلى إيران، بل ستدفعها تركيا. وتستطيع إيران أن ترفع دعوى قضائية دولية لاستعادة هذه الأموال. ويمكن أن تكون أموال إيران في مصارف أو شركات خاصة بخلاف البنك الأهلي (خلق) التركي. وهل هذه جريمة؟ نعم إنها كذلك. وفي الحقيقة إن لم يكن هذا العمل غير شرعي لما كان مربحًا لهذه الدرجة”.
ووجهنا سؤلًا إلى صادقي مفاده “هل يمكن أن تكون السلطات الإيرانية قد مارست ضغطًا على تركيا بخصوص رجل الأعمال ضراب؟”، فأجاب إجابة موحية وواضحة “ربما تكون فعلًا قد مارست ضغطًا. ولكن تركيا أرادت أن تغلق هذا الملف دون الحاجة إلى التدخل. وهو ما يعني أن تداعيات هذه القضية كانت ممتدة إلى أبعاد لا نعرفها بالضبط”.
البنك الأهلي التركي في مركز مخطط الفساد
عقب صدور قرار اعتقال شاهد – لم يفصح وسائل الإعلام الإيرانية عن هويته – كان هو الأقرب إلى زنجاني لمدة طويلة، فإن ما قاله هذا الشاهد في لقاء مطوّل عقد بعد صدور هذا القرار يؤكد صحة الحقائق التي أوضحها الدكتور صادقي. وجاء في هذا الحديث ما يلي “كان زنجاني تجمعه علاقة مقربة منذ البداية مع الحرس الثوري وجهاز الاستخبارات.
وقد أقدم زنجاني على تنفيذ جميع مخططاته تحت حماية كلتا المؤسستين. وقد أطلق مشروع الإنشاءات الكبير الخاصة به في طهران من خلال القرض (LC) الذي حصل عليه من أحد المصارف. وقد حوّل أموالًا من تركيا لصالح مصرف مقرب من الحرس الثوري. كما اشترى آلات عمل لصالح الشركة نفسها؛ شركة خاتم الأنبياء، وأودعَت الأموال في حساب زنجاني في البنك الأهلي التركي.
وبدأ يبيع النفط الإيراني في فبراير / شباط 2012. ووافق حتى على دخول قائمة الحصار المفروض على إيران، وحصل على قروض مصرفية من خلال هذه الأموال معلومة المبلغ. وقد منحت جميع المناصب الإدارية بشركات إلى موظفي جهاز الاستخبارات القدامى. وتعتبر شركة سورينت تابعة للحرس الثوري. ولهذا السبب كان زنجاني يقول “أنا أيضًا أعمل في هذه الشركة مقابل تقاضي راتبًا شهريًا”.
وكان محمود بهماني، رئيس البنك المركزي الإيراني في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، قد صرح بأن زنجاني ليس عليه ديون وأنه سدد جميع أموال النفط، هذا في الوقت الذي كان عليه ديون بمئات الملايين من الدولارات. وتعاون زنجاني مع المافيا الروسية في تركيا. وقد أفادته علاقات رضا ضراب في تركيا كثيرًا. وقد منح البنك الأهلي التركي والمصرف العربي- التركي ضمانات إلى زنجاني وساعداه كثيرًا”.