بقلم: سوفيان أبو أمير
في إطار الحرب الضروس، التي أطلقها رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، ضد ما أسماه “الدولة الموازية” حيث يقصد حركة” الخدمة”، التي تستقي أفكارها من العلامة التركي فتح الله كولن، كل هذا حدث بعد قضايا الفساد الكبرى التي طفت على السطح في تركيا بتاريخ 17 ديسمبر 2013، تورط فيها مقربون من رئيس حزب العدالة والتنمية السيد رجب طيب أردوغان، عقبتها تسجيلات تزعم ضلوع أردوغان وعائلته في هدا الفساد، بذلك اتخذت حكومة العدالة والتنمية إجراءات أراها – تعسفية – راح ضحيتها أبرياء لا تربطهم بالخدمة أي صلة، واستكمالا لقراراته المتخذة في تصفية حركة الخدمة، قرر أردوغان إنشاء ما سماه “محاكم الصلح” بهدف متابعة أبناء الخدمة بتهم لا أساس لها من الصحة.
دخل أردوغان في صراع محموم مع عدة جهات رأى أنها تعارض مقاصده منها، سلك القضاء، الشرطة، بعض النخب التركية، ومؤسسات المجتمع المدني والهدف هو إقناع الرأي العام التركي والعالمي، بأطروحة -الدولة الموازية- التي – حسبه – تكد وتجتهد من أجل نسف كل إنجازاته وتهز استقرار الداخل التركي، لكن الهدف الرئيسي كيف يخلص نفسه من شبه قضايا الفساد الكبرى.
خاض أردوغان، سباق مراثوني، سعيا منه لإيجاد أدلة يدين بها حركة الخدمة، بتهم باطلة، غير أن النتيجة جاءت عكس ما سعى إليه فلم يستطع الوصول لأي دليل ولو صغيرا يثبت ادعاءاته ضد حركة “الخدمة” إلى ذلك قرر طيب أردوغان، مواصلة عزف اللحن نفسه، فبادر إلى الإعلان عن ميلاد المحاكم الخاصة، مهمتها محدودة في اقتفاء ومتابعة أبناء الخدمة بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، إذا حللنا جيدا خطوة إنشاء المحاكم الخاصة نفهم أن المؤامرة الحقيقية تحاك ضد الخدمة من طرف حزب العدالة والتنمية وليس كما يدعيه أردوغان أنه يتعرض للمؤامرة من طرف حركة الخدمة.
هنا اطرح تساؤلا، إلى أي مدى يمكن الوثوق في قرارات هذه المحاكم التي هي تابعة لرجب طيب أردوغان قلبا وقالبا؟ فهل يمكن لها التزام الحياد أثناء أداء مهامها المحددة سلفا من طرف مؤسسيها؟ أعتقد جازما أنه إذا نزلنا إلى الشارع التركي وطرحنا هذا السؤال، سوف تكون الإجابة بالنفي حتما حتى من -الجحافل الشعبية – المتعاطفة مع أردوغان، يقينا منهم أن الخدمة بريئة كليا مما يدعون ويفترون.
كان من الأحرى على رجب طيب أردوغان أن يسمي هذه المحاكم -محاكم الزور- وهي الأولى من نوعها في تاريخ تركيا عبر الزمن في ظل مختلف الحكومات التي تعاقبت على حكم بلد العثمانيين.
أما الآن دعونا نتكهن ما هي السيناريوهات المتوقعة من هده المحاكم:
- طمس كل الأدلة التي تثبت تورط أردوغان وعائلته في قضايا الفساد الكبرى الماضية.
- تكوين خلايا متخصصة في كتابة السيناريوهات التي ستلفق لحركة “الخدمة” أعمالا مشبوهة من صنع خيال هؤلاء، يعقبه التنقيب على ممثلين بارعين للعب ما يناط لهم من أدوار على أساس أنهم من أتباع حركة “الخدمة” يتم تصوير وتسجيل ذلك ثم نشره لرأي العام لتضليله والإساءة لحركة الخدمة.
- البحث عن ضعاف النفوس لشراء ذممهم، ثم تقديمهم في التلفزيون والإعلام التابع لأردوغان للإيفاد بشهادات كاذبة ضد حركة الخدمة.
- العمل على دس أناس على شكل جواسيس في المؤسسات التابعة للخدمة وقيام هؤلاء بأعمال غير شرعية ثم تلفيقها لتلك المؤسسات والعمل على إغلاقها.
- إجراء عملية مسح لكل المؤسسات الصناعية والتجارية المتعاطفة مع مشروع حركة “الخدمة” والعمل على تضييق نشاطاتها وحياكة أدلة مفبركة لإيقافها عن النشاط.
- وبعد استعراضنا لهذه السيناريوهات المحتملة، من طرف هذه المحاكم، بالضرورة تكون النتيجة حتما هو إلحاق الأذى بأناس أبرياء وبدون أي تهم ضدهم سوى تلك الملفقة بهم زورا وبهتانا من طرف محاكم أردوغان.
وفي هذه الفقرة أيضا أود طرح بعض الأسئلة وأترك الإجابة عنها إلى حين شروع هذه المحاكم في عملها لنرى الجواب الصحيح منها:
- ما هي التهم التي ستوجهها محاكم أردوغان إلى مدارس “الخدمة” التي تكون إطارات في شتى التخصصات يكونوا ذخيرة هذه الأمة في المستقبل، فهي تكون أطباء، مهندسين، أستاذة، فلاحين، أئمة، تكون فردا يجمع بين العلم والأخلاق ومتشبع بالقيم الإنسانية العالمية؟
- ما هي التهم التي ستوجهها هذه المحاكم للمستشفيات التي بنتها الخدمة لعلاج المرضى حيث إنه إلى زمن ليس بالبعيد كانوا يقذفون مثل -كرة القدم – بين المستشفيات وهناك بعض الحالات يستعصى علاجها في تركيا تتطلب إرسالها إلى الخارج من أجل تلقي العلاج لكن اليوم و-الحمد لله- تمكنت الخدمة من فتح بعض المستشفيات وفقا لمقاييس عالمية تغطي الطلب في تركيا وحتى تستقبل مرضى من خارج تركيا؟
- ما هي التهم التي ستوجه إلى أصحاب رؤوس الأموال الذين يدعمون هذه المشاريع الخيرية والإنسانية وهدفهم الأول والأخير نيل رضا الله سبحانه وتعالى؟
في الأخير أتمنى أن يستفيق أردوغان من هذا السبات فهو لا يضر نفسه فحسب بل يجر معه الملاين داخل تركيا وخارجها، وأنبه أردوغان ومن معه أن الظلم مهما كانت درجة قسوته عالية لن يدوم وهو ظلمات يوم القيامة وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه. فمهما تجبر الإنسان وتكبر، فالحياة بلاء وامتحان، وهي مثل المسلسلات التلفزيونية البداية دائما تكون لصالح الشر لكن في النهاية دائما صاحب الحق والخير هو من ينتصر.