قرر القاضي في قصر العدل بمدينة إسطنبول بإخلاء سبيل 38 قائد أمن من بين 49 أمنياً بعد اعتقالهم في إطار حملة جرت يوم الإثنين قبل الماضي في أثناء السحور بتهمة التنصت غير الشرعي، واعتقال 11 أمنياً بتهمة التجسس وتزوير أوراق رسمية.
وجاء هذا القرار بعد ثلاث ساعات من إعلان القاضي أنه سيعلن النتجية في الساعة التاسعة من هذه الليلة، مما أثار شبهات حول ضغوط الجهات السياسية على القرار، علماً أن القاضي أصدر قراره الأخير دون الاستماع إلى إفادات ودفاعات 17 أمنياً، وبعد يومين من انتهاء المدة القانونية للاحتجاز. فضلاً عن ذلك فإن المتهمين من ضباط الشرطة طلبوا من القاضي إظهار الأدلة المثبتة للجرائم المسندة إليهم، إلا أنه لم يفعل ذلك، حتى إنه لم يكشف عن اسم الدولة التي تجسَّس هؤلاء الضباط لصالحها.
الجدير بالذكر أن الرأي العام في تركيا اعتبر هذه الحملة حملة سياسية تسعى إلى الانتقام من أفراد الشرطة المشاركين في تحقيقات الفساد والرشوة التي تورطت فيها حكومة أردوغان من جانب، ومن جانب آخر تحاول التستُّر على ملفات الفساد وتنظيم السلام والتوحيد الإرهابي المرتبط بالحرس الثوري الإيراني الذي نفذ العديد من الاغتيالات الدموية منذ ثمانينات القرن الماضي، منها اغتيال الكاتب الصحفي الشهير أوغور مومجو الذي أثار غضب الأوساط العلمانية، واستغلته الدولة لاتهام المسلمين وتضييق الخناق عليهم.
وأعلن محامو قيادات الأمن أن قرار اعتقال 11 أمنيا فرار غير قانوني لعدم وجود أدلة تثبت الاتهامات، وصدوره بعد انتهاء المدة الشرعية للاحتجاز.
ولا يمكن تعداد الفضائح القانونية التي شهدها قصر العدل في مدينة إسطنبول، ولا تقتصر على إصدار القرار بدون الاستماع إلى إفادات ودفاعات قيادات الأمن، حيث إن القاضي إسلام تشيتشاك المولع برئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، كما جاء في حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وجه سؤالاً إلى قائد الأمن يورت آتايون أثناء أخذ إفادته مساء أمس الثلاثاء قائلاً: “لماذا تنصتَّ على أردوغان في الـ26 والـ28 من نوفمبر / تشرين الثاني عام 2013، وفي 3 ديسمبر / كانون الأول من العام نفسه”.
فأتى جواب من قائد الأمن ومحاميه لافت للانتباه جدا “لم أرَ في حياتي مثل هذا السؤال الباعث على السخرية! هل أنتَ (القاضي) متأكّد من أنك دقَّقت النظر في الملف؟ فانظر إلى الملف متى عُزلتُ من وظيفتي؟ ذلك لأنني أُقلتُ من وظيفتي في الـ8 من شباط لعام 2012، أي أن الحادثة التي تسألها جرت قبل نحو سنتين من إقالتي”.
وفي أعقاب هذا الردّ تغيرت ملامح وجه القاضي تشيتشاك، ثم قال محامو قائد الأمن للقاضي: “إن الجهة التي تصدر إليك هذه التعليمات زوَّدتك بهذه المعلومات الخاطئة، كان ينبغي لك قبل كل شيء وعلى الأقل معرفة التواريخ على الوجه الصحيح، ومن ثم توجيه الاتهامات!”، الجواب الذي أسقط كافة الاتهامات الموجهة ضد مديري ورجال الأمن تماماً.
وبعد هذه الفضيحة التي اتهم فيها القاضي قيادات الأمن بالتنصت غير القانوني في وقت هم معزولون فيه عن وظائفهم، أكَّد المحامون للقاضي قائلين: “إن الاتهامات قد انهارت وسقطت تماماً يا سيد القاضي. يجب عليكم أن تقولوا لأنقرة التي تصدر لكم الأوامر فلتعدَّ الملفات بشكل صحيح، ومن بعد ذلك توجيه الاتهامات”.
وكان أحد قيادات الأمن صرح أثناء أخذ إفادته بأن حملة اعتقالات الأمنيين عملية كتب سيناريوها العجم (الإيرانيون)، وينفذها الوسطاء المبتدؤون في تركيا للتستر على تنظيم السلام والتوحيد الإرهابي الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى التستر على ملفات الفساد والرشوة الكبرى