تابع فضيلة العلامة “فتح الله كولن” هذا الأسبوع دروسه بعد مدة طويلة من الانقطاع، إذ نشر موقع “herkul.org” أحدث دروسه بعنوان “الاختبار والثبات على الحق” الذي تناول فيه موضوعي الاختبار والصبر.
وقال كولن إن العبارات التي تستهدف حركة الخدمة بالسبّ مثل “الكيان الموازي والخونة والعلق” تحولت إلى “جنون العظمة الموازي”، قائلاً “إنَّ من ينتمي لكيان موازٍ أو منظمة إجرامية أو عصابة، ومن يأكلون الحرام ويرغبون في الإضرار بهذه الأمة، فليبتليهم الله جميعاً بعذاب من عنده!”.
وأوضح كولن أنه لن يعامل من يسبونه ويتطاولون على حركة الخدمة بالمثل، مؤكدًا “أن قاعدة المعاملة بالمثل ظالمة بكل المقاييس”، ومشيرًا إلى أنهم تحملوا وسيتحملون الصعاب على الدوام.
وأكَّد فضيلة الشيخ العلامة كولن قائلًا: “لقد قطعنا عهدًا على أنفسنا مع الله على ألا نحيد عن طريق الحق، فقبض أرواحنا أولى من أن نحيد عن هذا الطريق. وأدعو الله أن يهدينا الإنصافَ والإذعان له وصلاح القلب”.
وفيما يلي نورد مقتطفات من حديث سماحة الشيخ العلامة كولن:
“إن مرض جنون الدولة الموازية ذو نسب غير شرعي”
يوجد في كل نفس بشرية أشياء مثل الجينات التي تدفعها بشدة لارتكاب الأخطاء والجرائم. ولكن خير هؤلاء الخطّائين أولئك الذين يعودون بعدما يقعون في الخطأ ويقفون أمام الله باحترام وخشوع. فنحن نعيش مرحلة حساسة كهذه. فأبواب الخطأ مفتوحة على مصراعيها كأبواب القلعة، فإن شئتم دخلتم بالجياد أو البغال أو الدبابات أو حتى طائرات الـ أف-16.
يقول الشيطان دائمًا: “هيا قولوا أنتم أيضًا شيئًا إزاء هؤلاء، هل ستبقون صامتين باستمرار؟”. فمثلًا وصفونا بـ”التنظيم الموازي” و”العلقة”. وما هي العلقة؟ هي كائن صغير يمتص الدماء! فقد يوسوس الشيطان في صدورنا ويقول: “قولوا لهم: بل أنتم الدولة الموازية! أنتم العلقة! أنتم…” نعم إنه من الصحيح أن نسبة “التنظيم الموازي” لنا غير شرعية كنسبة ولد الزنا.
وربما نرى بأم أعيننا أناسًا وهم يمتصون دماء الشعب حقيقة. ولكننا نرى أن قاعدة المعاملة بالمثل ظالمة، وبالتالي لا يجب أن ننزل بمستوانا الأخلاقي لنقول لهم “بل أنتم العلقة ومصاصو الدماء!”…
ولكن إذا أصرَّت أنفسكم على قول شيء، فبإمكانكم أن تقولوا ما يلي معتبرين ذلك من قبيل طرح غاز ثاني أكسيد الكربون: “ليبتلي الله من هم “الكيان الموازي” ومن هم “العلقة”، بعذاب من عنده، وليقضِ على نسلهم حتى الجيل السابع، وليحرق بيوتهم ويهدمها فوق رؤوسهم. ومن ينتمي إلى عصابة مسلحة لينزل الله عليهم بلاء من عنده. ومن أرادوا أن يُلحقوا الضرر بأمته أو أكلوا ذرة من الحرام فليعاقبهم الله بما يستحقون!” نعم بإمكانكم أن تقولوا “لينزل الله بلاء علينا إن نحن على ما وصفتم”، ولكن لا تقولوا “لينزل الله بلاء عليكم إن أنتم تحملون هذه الأوصاف”، محدِّدين أسماءهم.
لم يتركوا افتراءً إلا قالوه
لقد تحدثوا حتى وقت قريب عن مئتي لفظة سبّ وشتم. وهل يوجد في معاجم اللغة هذا الكم الهائل من السبّ واللعن؟ وإلا فينبغي أن يكافَؤوا على هذه الاكتشافات كما كوفئ البحّار كريستوف كولموبوس. فهم لم يتركوا افتراءً إلا قالوه. وقد عثروا على كبش فداء لتحميله هذه الافتراءات. ولو سار الناس جميعاً في طريقهم نحو الجنة، وعبروا الصراط، ثم أُوقِفوا أمامه ليُسألوا عن أمر ما، لأرجع البعض سبب هذا الإيقاف والسؤال إلى ملاحظة “الدولة الموازية” غير صحيحة النسب المتمخضة عن جنون عظمتهم.
كان هناك شخص ألماني يدعى “ألبرت”، وكان يدرس اللغة التركية في الوقت الذي كنت أقيم في مدينة أدرنة، وكان قريبًا من اعتناق الإسلام. وكانت لديه ملاحظة ورثها من أيام النازية القديمة، وكان يقول إذا وقعت كارثة “بسبب قوم فلاني”. ولقد سيطر هذا المنطق اليوم على أرواح بعض الأشخاص الذين أصبح شغلهم الشاغل هو التستر على العيوب. ولكن أنتم لا تؤذوا أحدًا؛ لأن مهمتكم الأساسية هي السعي وبذل الجهد حتى يصبح سلطان القلوب الرسول عليه السلام سلطانَ قلوب الناس أجمعين، وليست الاشتغال بمثل هذه الأمور.
وظيفتنا وفطرتنا
يقول العلامة سعيد النورسي بأنه انحاز في فترة من الفترات قليلًا للبعض لأنهم يخدمون الديمقراطية وحقوق الإنسان العالمية، ثم أدرك بعد ذلك أنه كان على خطأ، فقال “أعوذ بالله من الشيطان والسياسة”، وابتعد عن السياسة كلياً. فهذه هي مهمتنا وفطرتنا.
فهذا الطريق يجري فيه مياه عميقة وهو محفوف بالمخاطر والمهالك. وإذا اخترتم السير في هذا الطريق فعليكم تحمّل كل ذلك. وستواجهون أحيانًا الفراعين والنماردة والكفرة الفجرة، وأحيانًا المنافقين من كارهي الإسلام، وأحيانًا تقابلون أشخاصًا – بعبارة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم – “يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم”، لا يسلمون من النفاق بالرغم من أنهم سجَّد آناء الليل وأطراف النهار. عليكم أن تصبروا وتتحملوا كل هذا العناء إذا كنتم قد اخترتم هذا الطريق طواعية منذ البداية”.
كنت تحت الضغط دائمًا بسبب تهديدات القتل التي تلقيتها منذ انقلاب 27 مايو / أيار 1960 إلى يومنا هذا. ودخلت السجن إبان انقلاب 12 مارس / آذار 1970، وتلقيت تهديدات، وحينها لم أكن أدَّيت الخدمة العسكرية بعدُ.. وبينما كانت المحكمة العليا تناقش الملف الخاص بي، صدر عفو مفاجئ، وهكذا كتب الله لي النجاة. وكانت قد صدرت قرارات بحقي بالسجن والنفي. ولم يتقبلكم أبدًا أولئك الذين لم يؤمنوا بما تؤمنون به، ولم يلقوا بالًا للقيم التي تتبنونها.
وعند وقوع انقلاب 12 سبتمبر / أيلول 1980 قدّر الله ألا يلقوا القبض عليّ لست سنوات. وهو ما يعني أن الله لم يرد أن يقبض عليّ الظالمون المتجبرون الطغاة. لماذا لم يرِد ذلك؟ لأنني لست قويًا وصاحب إيمان عميق. وربما ما كنت لأتحمل ذلك، وارتكبت الأخطاء. وكان الشجعان مثل محسن يازيجي أوغلو – رحمه الله – (زعيم سياسي استُشهد جراء إسقاط طائرته في العام 2009) قد دخلوا السجن لستِّ سنوات. وأما أنا فلم أكن لأتحمل هذا العذاب.
وقد حدث الشيء نفسه إبان انقلاب 28 فبراير / شباط 1997؛ إذ لم أكن أرغب في مغادرة تركيا إلى الولايات المتحدة. حتى إنني أرسلت خبرًا مع أحد أقارب أعلى شخصية عسكرية ذات نجوم كثيرة. وكان العسكريون يصرّون على نقلي إلى المستشفى للخضوع لبعض الفحوصات. قلتُ لهم: “إذا كانت مغادرتي لتركيا ستترك انطباعاً بأنني هربتُ، أو ستضرُّ بمستقبلكم، فإنني لا أريد ذلك”.
ولا أعرف بالضبط إن كان هذا الشخص لا يزال ذا شخصية قوية كما كان عليها في ذلك الوقت. وقال قريبه هذا “بعدما نقلتُ إليه قولكم، فإن عينيه أدمعتا، وبكى بحرقة، ثم قال هكذا يكون الإنسان”.
ثم هبت عاصفة يونيو/حزيران، (قضية الفساد والرشوة) ثم توالت المصائب، الواحدة تلو الأخرى”.
سبب توقف محاضراتي هو عدم الرد على هؤلاء
لم أظهر أمامكم لألقي محاضراتي منذ أشهر. ذلك لأنني أحاول أن أتحدث لكم عن أمور تتعلق بالله سبحانه وتعالى. ولكني أتجنّب الحضور أمامكم منذ مدة طويلة خشية أن لا أستطيع كبت مشاعري في ظل مواجهة الشرور التي يرتكبها البعض، فتختلط بمشاعر أخرى لا تتوافق مع رضا الرب ومبدأ الإخلاص.
وإن حدث ذلك، فإنه لا قيمة له على الإطلاق. وعلينا التصرف وفق ما تمليه علينا طبيعتنا وشاكلتنا الإسلامية حتى أمام الأشخاص التافهين الذين يعرِضون بضائعهم غير المرغوب بها كل يوم في أسواق الضمير الجماعي ومَعارضه، وإن تدمير شخصيتكم وعدم التحدث بما يليق بها يعدُّ أمرًا شنيعًا وقذرًا يضاهي مسّ شرفكم بسوء. وإذا كان هناك أشخاص يتصرفون حسب ما تمليه عليه طبائعهم الذاتية، فهذا لا يعنينا بشيء.
وكما تعلمون، فإنني قلت إنني سامحت شخصًا كتب كلامًا ينتقص من قدري حتى منذ 50 عامًا، ولقد أشهدتكم على ذلك وتنازلت عن حقوقي الشخصية، على الرغم من أنه لم يترك شتيمة إلا قالها بما فيها الكلب.
لكن ما قيل ويُقال اليوم قد تجاوز كل هذه الأشياء كثيرًا، بل تجاوز ما قاله لينين في حق المسلمين، وتجاوز ما قاله فرعون إلى سيدنا موسى عليه السلام.. رغم ذلك، يجب أن نسحق ونطحن ونمزّق ونحلّ كل شيء من خلال الأنزيمات التي وضعها الله سبحانه وتعالى في معدة أرواحنا، ومن ثم أن نطرحها في الأماكن المخصصة لذلك! ولكننا الآن نشهد سيطرة نوع من المنطق والفلسفة على أرواح الذين يسعون إلى التستر على العيوب لدرجة أنهم يرون أن تحميل الآخرين كل هذه المساوئ هو طريق النجاة الوحيد بالنسبة لهم. لكن، بالرغم من ذلك، فما يقع على عاتقكم من مسؤولية هو التصرف بنبل في مواجهة هؤلاء.
يجهزون لائحة ادعاء جديدة كلائحة انقلاب 28 شباط/فبراير
تولى البعض عقب عاصفة شهر يونيو / حزيران 2013 (الذي تم الكشف فيه عن فضائح الفساد والرشوة الكبرى) مهمة على عاتقه، وشرعوا في إعداد لائحة اتهام ضدنا، كما أعدوا قبل ذلك في أيام انقلاب 28 شباط العسكري 1997 لائحة اتهام تتألف من 300 صفحة. واليوم يسعون لتلفيق جرائم وأدلتها، وإعداد لائحة ادعاء جديدة على غرار سابقتها. وعندما كان المدعي العام بمدينة نيوجيرسي الأمريكية يستجوبني عن طريق النيابة باسم النيابة العامة في تركيا، نظر في لائحة الادعاء المعدة بحقي، ضحك بملء فيه.
وقال “يا له من شيء مضحك!”. ولو كان قد رأى ما يحدث اليوم، لكان – حتمًا – قد فقد وعيه من كثرة الضحك. نعم، لقد عُذِّبنا كثيرًا، ولا يتوانى مَن عذَّبونا عن هذا التعذيب، وسيواصلونه كذلك في المستقبل. إلا أننا قطعنا عهدًا على أنفسنا مع الله على ألا نحيد عن طريق الحق، وقبض أرواحنا أولى من أن نحيد عن هذا الطريق. وأدعو الله أن يرزقنا الإنصافَ والإذعان له وصلاح القلب. آمين وسلام على المرسلين.
الابتلاء من خلال طواغيت العصر قدر لا يتغير
وعندما ننتقل بالحديث عن العواصف وموجات المد والجزر، فإنها كانت دائمًا وأبدًا قَدَراً ثابتاً لا يتغيَّر للسائرين في هذا الطريق. وقد ابتُلوا بأولادهم، وأموالهم، وبطغاة العصر، وبالأشخاص الذين دمرتهم سموم شهوة السلطة والقوة. وكان النبي موسى عليه السلام قد غادر وطنه مصر وتردد على مدين مدينة أصحاب الأيكة. وما عاشه النبي يوسف وأبوه النبي يعقوب عليهما السلام تحفظه جميع الألسن.
الجميع يعرف ما حدث للأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام. وقد تعرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأقسى أنواع المعاملة من قومه، فأُخرج من بيته وطرد من وطنه بسبب دعوته. ولقد عانى الأنبياء والأولياء ما عانوه من الظلم والغدر، فها هو الغزالي طاف بين القبور كالمجانين، وقُيّد أبو الحسن الشاذلي من رقبته ورجليه بالأغلال، وسيق الإمام الشافعي بالسلاسل حتى بغداد، وجُلد الإمام أبو حنيفة في السجون، وقضى الإمام أحمد ابن حنبل سنين من عمره في السجون يعذب ويجلد كي يقول إن القرآن الكريم مخلوق، ولكنه لم يقل ذلك.