بقلم: ممتاز أرتركونه
أغلب الظن أن الضيف الجديد الذي سيجلس في قصر الرئاسة سوف يتبيَّن في 24 أب/أغسطس. وفي كل الأحوال سيصل أردوغان إلى المحطة الأخيرة من حياته السياسية.
أما إذا نجح أكمل الدين إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية فستنتهي مرحلة وتبدأ مرحلة جديدة. وإن الذين يركِّزون على الأشخاص ويتحركون تحت ضغوط العواطف بسبب انجرارهم وراء التوترات السياسية العالية فقط ولايتمتعون ببعد النظر سيفوتهم الشيء الكثير. الزعماء الذين يتكيفون مع المواقف الصعبة ويستغلُّونها يصبحون ناجحين ويحكمون طويلاً لأنهم قرؤوا الظروف التاريخية جيدًا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن نظامًا مثل الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط لا يمكنه الثبات دون أن تكون لديه قوى مالية تحت تصرُّفه. فمن ذا الذي يقيم وزنًا لدكتاتور ليس لديه مال؟ وكيف يتم الحصول على المال؟ فتحقيقات 17-25 كانون الثاني/ديسمبر ليست مجرد سرقة محصورة بالأشخاص، بل يجب أن ننظر إليها على أنها كاشفة لفساد سياسي يتم من خلاله تمويل نظام استبدادي.[/box][/one_third]فقد ارتقى أردوغان وحزبه بوصفه نقيض انقلاب 28 شباط العسكري في العام 1997 والانهيار الاقتصادي الناتج عنه، ثم أتى بتركيبة جديدة من شأنها أن تنقل البلاد نحو آفاق المستقبل. وقد انتعش الاقتصاد بواسطة رأس المال “الأناضولي” الذي كان الضحيةَ الحقيقية لانقلاب 28 شباط، واستطاع حزب العدالة والتنمية أن يُفسح المجال أمام أصحاب رؤوس الأموال الجدد، وحقق بذلك الاستقرار في البلاد. ورأس المال الجديد قام بتمويل الحزب الحاكم كما قام الحزب بتغذيته، ما أدى إلى تحقيق الاستقرار في السياسة والاقتصاد.
يجب علينا أن نتذكر تاريخ الأحداث جيدًا: في سنة 2001 سقط النظام السابق جرَّاء الأزمة الاقتصادية. وما بين سنتي 2002-2007 سُلِّمت السلطة لحزب العدالة والتنمية كما سُلِّمت من قبلُ لحكومات سليمان دميرال وكأن السلطة محصورة بالاقتصاد فحسب.
وفي سنة 2007 ظهرت مشاحنة حقيقية بين الجيش والحزب الحاكم. وما بين 2007-2010 كرر الحزب الحاكم جرأة “طورغوت أوزال” وقاوم الوصاية العسكرية. وفي سنة 2010، انمحى النظام السائد في البلاد منذ 50 سنة من الوجود من خلال استفتاء شعبي. وما بين 22 حزيران / يونيو 2011 و17كانون الأول / ديسمبر 2013 سنتذكَّره باعتباره فترة شرع فيها أردوغان يمهِّد الطريق لتأسيس سلطته المطلقة خطوة بخطوة مثل “سيزار” الذي أعلن دكتاتوريته بعد أن حقق انتصارات عظيمة. علينا أن نبني أحكامنا بالنظر إلى الطبيعة الأزلية للسياسة بغض النظر عن الأشخاص وسجاياهم: إن أردوغان الذي خرج منتصرًا من كل حروبه عمل على تهميش منافسيه، بما فيهم رفاق دربه، فعمل على بناء دكتاتورية مستمرة.
فادعاءات السرقة والفساد تشير إلى وجود جرم منتشر وممنهج حسب القوانين المرعية؛ ولكن إذا ما تم النظر إليها على أنها أدوات مالية للاستبداد / الأوتوقراطية التي أسسها أردوغان، سيُفهم التغير الحاصل في النظام بشكل أسهل. إن نظامًا مثل الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط لا يمكنه الثبات دون أن تكون لديه قوى مالية تحت تصرُّفه. فمن ذا الذي يقيم وزنًا لدكتاتور ليس لديه مال؟ وكيف يتم الحصول على المال؟ فتحقيقات 17-25 كانون الثاني/ديسمبر ليست مجرد سرقة محصورة بالأشخاص، بل يجب أن ننظر إليها على أنها كاشفة لفساد سياسي يتم من خلاله تمويل نظام استبدادي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]جرِّبوا فهم النزاع بين الجماعة وأردوغان من خلال النظر إلى مسافة المجموعة المالية ذاتها وقاعدتها الشعبية من الدولة: أحدهما مجتمع مدني وشركة مستقلة تستغني عن الدولة ولا تريد منها شيئاً، والآخر الطفيلي الذي يتغذّى على ريع الدولة والأوليغارشية الرأسمالية، أو حكم الأقلية من أصحاب رؤوس الأموال الذين يعيشون متطفلين على مقدرات الدولة.[/box][/one_third]أردوغان يقول الحقيقة: تحقيقات 17 كانون الثاني /ديسمبر حركة انقلابية، ولكنها ليست ضد حكومة منتخبة عبر صناديق الاقتراع، بل هي ضد أوتوقراطية أردوغان التي تعمل بمقدرات وريع الدولة. وقد نجحت هذه الحركة وتشتَّتِ الأوتوقراطية. المساعدات الاجتماعية التي يقدمها مشروع مدارس الأئمة والخطباء مع التنظيم الحزبي ليست جهودًا دينية، إنما هي أدوات لكسب الشعبية لأوتوقراطية أردوغان. والمشكلة التي توصف بأنها نزاع بين حركة الخدمة وأردوغان من أجل إغلاق مدارس التقوية الخاصة إنما هي في الحقيقة مقاومة “الإسلام المدني” الذي لا يستسلم للأوتوقراطية بموجب طبعه، وهي الحركة الوحيدة التي بقيت حركة مدنية مقاومة حتى اليوم. جرِّبوا فهم النزاع بين الجماعة وأردوغان من خلال النظر إلى مسافة المجموعة المالية ذاتها وقاعدتها الشعبية من الدولة: أحدهما مجتمع مدني وشركة مستقلة تستغني عن الدولة ولا تريد منها شيئاً، والآخر الطفيلي الذي يتغذّى على ريع الدولة والأوليغارشية الرأسمالية، أو حكم الأقلية من أصحاب رؤوس الأموال الذين يعيشون متطفلين على مقدرات الدولة.
وسيتذكر التاريخ حركة 17 ديسمبر على أنها نقطة تحول في هدم “الوعي المشترك في الدولة” لهذا النظام الأوتوقراطي.
إن السلطة الشخصية لأردوغان التي تعتمد على رأس المال المتطفِّل على ريع الدولة لم يعد استمرارها ممكناً. وماذا سيصير بعد ذلك؟ إن العوامل التي جاءت بحزب العدالة والتنمية إلى السلطة قبل 12 سنة لا تزال تتمتع بالحيوية والتأثير. وهذه “الموجة العميقة” لا شكَّ في أنها ستشكِّل آلية جديدة في السياسة.
وماذا عن السلطة الشخصية وبقاياها؟ حاولوا أن تتذكَّروا البرامج الوثائقية التي تصور الجاموس الذي يشاهِد في حزن وألم أعضاءَه التي تنهشها الأسود.
ففي غضون هذا الشهر سيغير أردوغان وجهته ليغيب عن الأنظار…