نشر موقع “herkul.org” درسًا جديدًا للأستاذ فتح الله كولن أشار خلاله إلى مواضيع “الصبر والاشتياق والانتخابات”…
وركز الأستاذ كولن في درسه على معنى اسم الله” الصبور” ، الذي قال إنه يعني أن الله “لا ينزل العقوبة على المذنب فورًا، بل يمهل عباده حتى يستغفروه ويتوبوا إليه، أو أنه يمكّنهم من ارتكاب المزيد من الآثام والذنوب حتى يجعلهم يستحقون العذاب بشكل مؤكد”.
ولفت كولن إلى أن هناك أنواعا للصبر مثل الثبات على العبادة، والتصميم على البعد عن المعاصي، وتحمل المصائب وغير ذلك، مذكّرًا بضرورة “الصبر على تقلب الزمان” في الأمور التي تتطلب وقتًا وتجري وفق زمن محدد.
وأشار كولن إلى صبر آخر بقوله:
“إن تحمل أحباب الحقِّ، الذين يعيشون وهم مشتاقون للدار الآخرة، لمتاعب الدنيا في سبيل إتمام مهامهم، وكبتهم لرغبة الوصل بالله التي يحملونها في قلوبهم، بشعورهم بالمسؤولية يعد نوعًا خاصًا من الصبر الذي يوهَب فقط للعباد المختارين”.
إن نوع الصبر الذي يمكن أن نطلق عليه “الصبر على الوصل بالله” خاص بالمقرَّبين فقط، وبالرغم من أن أصحاب الحق هؤلاء يرغبون من أعماق قلوبهم في رؤية الجمال الإلهي، فإنهم يفضلون خدمة الدين على رغباتهم، ويواصلون أداء مهامهم، ويرضون بتقدير الله، مع أنهم يقولون بينهم وبين أنفسهم دائمًا “متى الوصل يا الله؟!”، ولا يريدون الموت بل يرغبون في رضاه، ويتحملون متاعب الحياة الدنيا في سبيل دعوتهم، ولا ريب في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب القمة في هذا الأمر، كما هو حاله في جميع صفات الكمال”.
وتطرق كولن لشرح اشتياق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوصل بالله وشعوره بالمسؤولية تجاه الانسانية في الوقت نفسه من خلال الأمثلة، كما أشار إلى نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية في تركيا وما بعدها.
وفيما يلي نورد أجزاءً من درس الأستاذ كولن:
“الدنيا جيفة وطلابها كلاب، وهذا هو وجه الدنيا المذموم، ومن ناحية أخرى، الدنيا مزرعة للآخرة، وكذلك هي مرآة تتجلى فيها أسماء الله الحسنى وتعكس جماله سبحانه وتعالى، وإن النظر إلى الدنيا من خلال هذين الوجهين ثواب، ويكشف أفق معرفة الإنسان ويسوقه إلى الله، وإن الأكل والشرب والنوم والتفكير في جمع ثروة مثل قارون واستغلال كل الفرص لحساب النفس والشيطان دون التفرقة بين الحلال والحرام، هي مسائل متعلقة بالجانب المذموم من هذه الدنيا، ولقد وصف صاحب الشريعة المتكالبين على الدنيا بـ”الكلاب”، وهذا يؤكد أهمية هذه المسألة، ذلك أنه لم يتلفظ بكلام سيئ، لكن عندما نظر إلى الجانب السيئ من الدنيا، قال هذا الكلام ليكون مطابقًا للحقيقة الواقعية. تظهر الدنيا أمام الإنسان بزيناتها ومتاعها، وترغب في ربطه بها. لكن البعض كانت قلوبهم قد تعلقت بحب الله منذ زمن بعيد، ويعيشون في هذه الدنيا مشتاقين لرؤيته ولايتحدثون الا عنه سبحانه.
إذا لم يوصَف أحد الأشخاص بالجنون، فهذا يعني أن إيمانه ناقص، فيقول “يا إلهي! يُعرِض عن متاع الدنيا والإمكانيات التي تصل حتى أسفل قدميه، ولا يستغل أي شيء لصالح الدنيا، وحتى إن فعل ذلك إنما يفعله في سبيل الله. ويقول “يا إلهي! إني أريد أن أستغل هذه الإمكانيات من أجل إعلاء كلمتك وإقامة صرح أرواحنا الذي هدمناه”.
لا يسمحون بأن يضحك رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم يومًا. فيقول كاتبو سيرته وراووها: “رأيناه يضحك في حياته حتى بدت نواجزه ثلاث مرات فقط”، وتحمل هذه الضحكات رسائل وبشائر خير لكم، فإن كان قد ضحك فقد ضحك على ذلك، لأنهم لم يعطوه الفرصة لأن ترجع شفتاه إلى الوراء ليضحك. وحولوا الحياة بالنسبة له إلى جحيم. لكنه كان مرتبطا بدعوته واعيا بما يفعل لدرجة أنه ظل مصممًا على البقاء في هذه الدنيا حتى أتاه اليقين.
أذن الله أن يعاني سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أقسى أنواع العذاب في هذه الدنيا، كما وهبه أعمق أنواع المعرفة.
أدعو الله أن يرزقكم أنتم كذلك ذلك الاشتياق!… ولتتحرق أرواحكم دائمًا بهذا الاشتياق إلى الله، واسعوا جاهدين دومًا من أجل إقامة صرح أرواحكم، ولتجرى أحداث الزمان أحيانًا في صالحكم وأحيانًا أخرى ضدكم.
“الخير فيما اختاره الله”… مهما قدّر الله لعباده من نتائج، فلا ريب أن ما يقدّره لهم هو الاختيار الأنسب والأكثر فائدة وبركة. نعم، إن الخير في كل ما خلقه الله واختاره!..
ربما يبتلينا الله لنتقرب إلى بعضنا البعض ونتحد، إذن، فعلينا أن نتحد كالبنيان المرصوص كما نقف في الصلاة جنبًا إلى جنب، ويجب أن نفكر أن الله قد فعل هذا ونقول “الحمد لله على كل حال، سوى أحوال أهل الكفر والضلال”.
“مثلما تكونوا يول عليكم”
ومن ناحية أخرى علينا ألا ننسى الحديث الشريف الذي يقول “مثلما تكونوا يول عليكم”، كان هناك شخص يدعى طاهر أفندي من أول أعضاء البرلمان في تركيا. وكان ذلك الشخص من العلماء والفضلاء. وفي الوقت الذي كان سائر أعضاء البرلمان الآخرين يلقون كلماتهم أمام الجماهير، كان طاهر أفندي يلتزم الصمت في ركن من الأركان. فيسأله أنصاره يومًا “متى تتكلم أنت أيضًا يا سيدي، كل نائب بالبرلمان يتكلم فيفخر به أنصاره، فماذا لو تكلمتَ فنفتخر بك!”… وكان طاهر أفندي شخصًا يتكلم قليلًا ولا يخوض إلا في المفيد، فخاطبهم قائلًا: “اعلموا أنكم إذا كنتم منتخبين، فأنا أيضًا منتخب. وأما المكان الذي ستذهبون إليه فهو منتخب إليه (أي البرلمان). وما تفعلونه هو الانتخاب، الذي يعني النخبة. والنخبة تعني الزَّبد. ولا تنسوا أن الزَّبد يكون من جنس الشيء الذي يوجد تحته. فزبد الزبادي يكون من الزبادي، وزبد الحليب يكون من الحليب، وزبد الشبّ يكون من الشبّ”. وعندما سمعت هذا الكلام،ـ قلت: إن هذه هي كرامتك يا أستاذ طاهر، فلم يستطع أحد أن يضرب مثلًا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم “كما تكونوا يولَّى عليكم” بهذه الطريقة حتى اليوم…
يقول الله في كتابه الكريم:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (المائدة – 105). وإذا كنتم تعرفون ذلك حقًا وتؤمنون بصحة الطريق الذي تسلكونه؛ فاستمروا في هذا الطريق من خلال مضاعفة حركاتكم. وإن الطريق الذي تسيرون فيه هو طريق إقامة صرح أرواحكم. وهو طريق المضي قدمًا نحو المدينة الفاضلة، والتخلص من الآثام، والتوجه إلى الكمال الذي يهدينا إلى إرضاء الله سبحانه وتعالى.
“وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (آل عمران – 139). ويحول الله هذا التفوق إلى مخطط واقعي يومًا ما، فتجدون أنفسكم في موقع لم تتخيلوه من ذي قبل لدرجة تدهشكم.
إن من لا يزين إيمانه بالمعرفة لا ينجو بنفسهه من تعب الطريق. ومن لا يستطيعون تعميق معرفتهم بالعشق والمحبة لا ينجون من التضوّر في شبكة الشكليات.
وبدلًا من أن تشغلوا أنفسكم بأسئلة من قبيل “ماذا سيحدث بعد ذلك؟”، علينا أن نستغل طاقتنا الفكرية في طريق إيصال فعالياتنا وإرادتنا والأمانة التي نحملها على عاتقنا إلى الأجيال القادمة دون تبديل أ و تغيير.
ذلك أن ليس لدينا أية علاقة بهذه الدنيا. ويجب أن نكون شجعانا وعلاقتنا بالله قوية لنستطيع ردّ الدنيا بكل ملذاتها وزخارفها.