بقلم: علي إحسان كاراجان
كانت الإدارة السياسية هي التي تقرِّر من بإمكانه أن يدخل قطاع المؤسسات المصرفية في تركيا إلى أن تأسست هيئة التنظيم والرقابة على المؤسسات المصرفية، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الموضوع أمرًا فنيًا، وإن كان على الورق فقط.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] بخصوص موقف الهيئات المهنية التركية من الأزمة التي يشهدها بنك آسيا غير الربوي، في الفترة الأخيرة، فإن اتحاد البنوك التركية لا يبدي رأيه حول أزمة بنك آسيا مع الحكومة، ولا يقول أحد بصوتٍ عالٍ أنه لا يمكن أن تقود الإدارة السياسية حملة ودعاية سوداء ضد أي مؤسسة مصرفية أو تتبع سياسات التمييز في التعامل معها، بحجة وذريعة معارضتها لها في الفكر والتوجه السياسي.[/box][/one_third]فقد تم تأسيس هيئة التنظيم والرقابة على المؤسسات المصرفية بفكر ووعي معاصر لتقوم بمهمتها بشكلٍ حر باعتبارها مؤسسة مستقلة عن السلطة السياسية، ولتخرج القطاع المصرفي من دائرة المعارك واللعبة السياسية اليومية، أي أن من مهام هذه الهيئة تحديدُ المعايير الموضوعية التي تحدد من له الحق في امتلاك مؤسسة مصرفية، وتطبيق هذه المعايير وفق أحكامها الخاصة، ولا تنظر هذه الهيئة إلى التزام أصحاب البنوك بالمبادئ والقوانين المكتوبة أو عدم التزامهم بها فقط، وإنما تنظر كذلك إلى اتباعهم القواعد الخاصة بروح العمل المصرفي من عدمه.
إن هذه المعايير لا تتضمن ضرورة الاتفاق في الفكر أو التوجه السياسي بين الحزب الحاكم وبين مالك بنك أو مؤسسة، ولا يمكن أن يحدث أصلاً شيئ من هذا القبيل في الأنظمة الديمقراطية المتقدمة، ذلك لأن البنوك والمؤسسات المصرفية لا يمكن أن تكون محلًا للنقاشات السياسية أو أن تدخل في الصراعات السياسية اليومية، فالبنوك يجب أن تكون على مسافة بعيدة عن الساسة والحياة السياسية، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون على علاقات وطيدة مع المؤسسات المنظِّمة والمراقبة للعمليات المصرفية.
أما الموضوع الآخر فهو موقف الهيئات المهنية التركية من الأزمة التي يشهدها بنك آسيا غير الربوي، في الفترة الأخيرة، فاتحاد البنوك التركية لا يبدي رأيه حول أزمة بنك آسيا مع الحكومة، ولا يقول أحد بصوتٍ عالٍ أنه لا يمكن أن تقود الإدارة السياسية حملة ودعاية سوداء ضد أي مؤسسة مصرفية أو تتبع سياسات التمييز في التعامل معها، بحجة وذريعة معارضتها لها في الفكر والتوجه السياسي. فماذا يمكن أن ننتظر من هيئة مهنية تسلَّم مقاليدها مدير أحد البنوك الحكومية؟! فضلاً عن ذلك، فإن اتحاد البنوك الإسلامية غير الربوية هو الآخر لا ينبس ببنت شفة تجاه سياسات الحكومة هذه، وأين اتحاد الغرف التجارية والبورصات التركي من كل هذا؟!
الأمر الآخر الذي ينبغي دراسته، هو موقف الأشخاص المكلفين بتنظيم ومراقبة العمل المصرفي، والمؤسسات التي تم تأسيسها لتقوم بمهمتها بشكل مستقل عن السلطة السياسية، لا نعرف بالتأكيد ماذا يجري خلف الأبواب المغلقة؟ ،لكن يمكن أن نقدم تحليلًا من خلال المعلومات والمعطيات التي يتم الإفصاح عنها للرأي العام، وأود أن أقول مجددًا، كما قلت في أوقات سابقة، إن المؤسسات المنظمة والمراقبة للعمل المصرفي، ليست فقط مؤسسات لمراقبة وتنظيم عمل القطاع المصرفي فحسب، فهي في الوقت نفسه مؤسسات من مهامها أن تحمي القطاع من أي تصرف سلبي وغير عادل قد يقدم عليه الحزب الحاكم وأشخاص آخرون من خارج القطاع.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] إن سبب عدم القبول بشخص أو مجموعة في القطاع المالي لا يمكن أن يكون متعلِّقاً بالأمور السياسية، وإنما يجب الاستناد إلى أسباب فنية وموضوعية، وبالفعل فإن جزءاً مهماً من هذه الأسباب الفنية مشروح بشكل واضح وصريح في القانون المنظِّم للقطاع المصرفي.[/box][/one_third]وأنا شاهد على أن هذه المؤسسات المنظمة للسوق المالية والعمل المصرفي تتعرض لضغوطٍ كبيرة فيما يتعلق بالأزمة التي يشهدها بنك آسيا حاليا.
وبحسب المعلومات الواردة في المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، فإن رئيس هيئة التنظيم والرقابة على المؤسسات المصرفية قال: “إذا تم إغلاق أو إشهار إفلاس أحد البنوك على يد الدولة، فإن هذا يعتبر نهاية الاستثمارات الخارجية والأموال الساخنة” ،ونحن يمكننا أن نتناول هذه العبارات من نواحٍ مختلفة، فإذا نظرنا إليها من منظور متفائل وبنية طيبة؛ يمكننا أن نقول إن رئيس هيئة التنظيم والرقابة على المؤسسات المصرفية بتصريحاته هذه يحذر السياسيين من لعب أي دور في أزمة بنك آسيا، بالإضافة إلى المخاطر المحتملة جراء هذه السياسات الخاطئة، ويمكننا أيضًا أن نقول إنه لا يستطيع فعل المزيد بسبب السياسات التي يتبعها السياسيون، أو يمكنكم القول إنه إذا قام بأكثر من ذلك سوف يتعرض لمخاطر شخصية لا داعي لها،(لا بد أن نتذكّر أن وسائل الإعلام المقربة والموالية للحكومة تستهدف وتضغط على هذه المؤسسات دائماً).
هل سيضع السياسيون هذه الذريعة (هروب الاستثمارات الأجنبية من البلاد) في اعتبارهم فيقلعون عن الضغط على بنك آسيا؟ لا أظن ذلك، فالمشاعر المسيطرة على هؤلاء السياسيين هي الجشع والغضب، وأعتقد أن المنتفعين من عمليات الأموال الساخنة لبنك آسيا ليس من السهولة بمكان أن لا يكترثوا بهذا الموقف ضد البنك، بسبب أن علاقاتهم مع السوق المالي التركي تستند إلى أسس وأمور أخرى، وأظن أن الساسة ومن حولهم على دراية بهذه الحقيقة، لذلك فإنني على قناعة بأن الذريعة التي قدَّمها رئيس هيئة التنظيم والرقابة على المؤسسات المصرفية لإقناع السلطة السياسية بضرورة عدم التدخل في شؤون البنك لم تكن واقعية ولا رادعة بشكلٍ فعال.
لذلك أقول بصراحة إنني لا أستطيع أن أستسيغ أو أتقبَّل هذه الذريعة، ولنقرأ الوضع بطريقة عكسية: إذا تعرَّض أي بنك للمعاملة ذاتها، التي يتعرَّض لها اليوم بنك آسيا، بذريعة أنه غير مؤثر في حركة الاستثمار الأجنبي والأموال الساخنة، فهل سنسوّغ الإجراءات ضد البنك ونلتمس الأعذار لمن يقدم عليها؟! وهل سنراها مناسبة ومتماشية مع القانون والأخلاق؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لاريب في أنه إذا كان بنك يعاني مشكلة مالية ما تستوجب، حسب معايير صندوق التأمين على الودائع المصرفية، الاستحواذ عليه، فإنه يتم ذلك فعلاً، لكن المعيار الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذا الصدد لا بد أن يكون حسب مواصفات الرقابة المعلنة مسبقاً، بغضّ النظر عن هوية مالك البنك.[/box][/one_third]لا شكّ في أنه ليس من السهولة بمكان أن يبقى في القطاع المالي الأشخاص الذين لا ترغب فيهم السلطة السياسية والسلطة المنظمة للمؤسسات المصرفية باعتبارهم المساهمين المتحكمين في هذه المؤسسات، وهذا نابع إلى حد ما من طبيعة هذا القطاع، إلا أن سبب عدم الرغبة بشخص أو مجموعة في القطاع لا يمكن أن يكون متعلِّقاً بالأمور السياسية، وإنما يجب الاستناد إلى أسباب فنية وموضوعية، وبالفعل فإن جزءاً مهماً من هذه الأسباب الفنية مشروح بشكل واضح وصريح في القانون المنظِّم للقطاع المصرفي.
وفي حالة عدم الرغبة بشخص أو مجموعة أن يبقوا مساهمين متحكمين في أحد المؤسسات المصرفية التي تتمتع بوضع مالي طبيعي ولا تعاني أي مشكلة مالية، فإنه يتم إمهالهم لمدة معقولة حتى يتمكنوا من بيع نصيبهم في البنك والخروج من القطاع، والمساهم يعلم، ولا بد أن يعلم، أنه إذا كانت هناك رغبة أو إشارات من هذا القبيل، رسمية أو غير رسمية، فينبغي له أن يفعل ما يجب، لكن المعاملة التي تعرَّض لها بنك آسيا عكس ذلك تماماً، حيث تم قطع الطريق أمامه لتغيير الحصص والمساهمات في البنك أو شرائها من قبل الشركات الأجنبية جراء التصريحات والتصرفات السلبية للسلطة السياسية.
والواقع أنه لا يستطيع أحد، سواء كان تركيّاً أو أجنبيّاً ألا يبالي بالإشارات أو الرسائل التي توجِّهها الإدارة السياسية، وأن يصرّ على الشراء في ظلها، وحتى لو لم يبالِ بها فإنه في المحطة الأخيرة سيراجع السلطات البيروقراطية لاستكمال الإجراءات الرسمية اللازمة.
لاريب في أنه إذا كان بنك يعاني مشكلة مالية ما تستوجب، حسب معايير صندوق التأمين على الودائع المصرفية، الاستحواذ عليه، فإنه يتم ذلك فعلاً، لكن المعيار الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذا الصدد لا بد أن يكون حسب مواصفات الرقابة المعلنة مسبقاً، بغضّ النظر عن هوية مالك البنك. فهل يمكن للممسكين بزمام السلطتين السياسية والبيروقراطية أن يستغلوا مناصبهم وصلاحياتهم لإضعاف وإعلان إفلاس بنكٍ لمجرد أنهم لا يحبون صاحبه أو هيئته الإدارية؟ بالتأكيد الإجابة “لا”.. فمثل هذا التصرف كما أنه ليس عقلانياً، كذلك يتعارض مع مبدأ الاستخدام العادل لسلطةِ وقوة الدولة، بالإضافة إلى مخالفته للقواعد القانونية، ولا يمكن الإقدام على خطوة من هذا القبيل إلا بعد انتهاك أكثر من مادة قانونية لمرات عدة (وهذا أمرٌ آخر يتطلب دراسة مستقلة).
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ][one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لاريب في أنه إذا كان بنك يعاني مشكلة مالية ما تستوجب، حسب معايير صندوق التأمين على الودائع المصرفية، الاستحواذ عليه، فإنه يتم ذلك فعلاً، لكن المعيار الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذا الصدد لا بد أن يكون حسب مواصفات الرقابة المعلنة مسبقاً، بغضّ النظر عن هوية مالك البنك.[/box][/one_third]وعليه فهل بمقدور أصحاب السلطة السياسية أن يستغلّوا مناصبهم وصلاحياتهم وأن يسعوا لإفلاس وتدمير بنكٍ يتمتع بوضع داخلي مستقر وتحويله إلى بنك يعاني مشاكل مالية، بالاستفادة من الاجتهادات المتوافقة مع ظاهر وشكلية القانون، لكنها تخالف روح هذا القانون؟.. الإجابة: نعم.
نعم.. بإمكانكم أن تدمروا ، وتعلنوا إفلاس، حتى أقوى المؤسسات المالية والمصرفية في العالم في غضون أسبوعين فقط، بالاستناد إلى قوة الدولة، ومن الممكن كذلك أن أقدم لكم قائمة الأعمال المطلوبة لتحقيق هذه الغاية، ولكن ذلك يكون بمثابة إهدار لقوى العقل.
وفي الظروف الاعتيادية يتعين على الإدارة العامة تجنُّب بذل الجهود من أجل أن يستحوذ صندوق التأمين على الودائع المصرفية على أي بنك، وكذلك يجب ألا يفرح أي بنك باستحواذ هذا الصندوق عليه، لأن هذا التسليم والتسلّم يعود بأعباءٍ مالية إدارية على القطاع العام، وهذا الأمر ينبئ بوجود مشكلة في الاقتصاد ونقص في نظام العمل والمراقبة المشكَّل في البلاد. فضلاً عن كل ذلك، فإن نتائجه السلبية ستنعكس بشكل أو بآخر على السياسيين، حتى أنه من الممكن أن تتحوَّل هذه الأزمة إلى ظاهرة خطيرة في الاقتصاد، ومن الممكن أن تكون السلطة السياسية لا تتوقَّع حدوث مثل هذه المشاكل المحتملة، أو هي تتوقَّعها ولكنها مستعدة لتحمُّلها لتحقيق هذه الغاية، أي تسليم بنك آسيا إلى صندوق التأمين على الودائع المصرفية! ومن الممكن أنهم لا يهتمون بالضرر العام في سبيل تحقيق هذه النتيجة.
وكاتب هذه الأسطر يصف دائماً قانون البنوك رقم 4389 لعام 1999، بالإضافة إلى القانون رقم 5411 الخاص بالقطاع المصرفي لعام 2005، بقانون “المصادرة المباشرة”، ولعلهم يريدون إغراق بنك آسيا وتدميره حتى يتم وضع اليد عليه من قبل صندوق التأمين على الودائع المصرفية بموجب قوانين المصادرة والعقوبات المالية وهو ما سيلحق الضرر بالمساهمين والمودعين والشركات المقترضة وكل من له صلة بالبنك.